سياسة

المشهد السوري: زخم سياسي دولي وإقليمي استمرار حملات التبرعات الشعبية التحديات الأمنية

أكتوبر 16, 2025

المشهد السوري: زخم سياسي دولي وإقليمي استمرار حملات التبرعات الشعبية التحديات الأمنية

14تشرين الأول/أكتوبر 2025

 

الوضع السياسي:

لقاءات رفيعة المستوى لتنسيق المواقف بين أنقرة ودمشق

شهدت العلاقات السورية التركية حراكاً دبلوماسيًّا مكثفاً تبلور في سلسلةٍ من اللقاءات رفيعة المستوى خلال أكتوبر/تشرين الأول 2025. فقد استقبلت العاصمة التركية أنقرة زيارتين متتاليتين لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وذلك في إطار تنسيق المواقف بين البلدين في أعقاب اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي تحت رعاية أمريكية.

 

واتسمت الزيارة الثانية بشكلٍ خاص بمستوى تمثيل عالٍ، حيث ضمت وفداً سوريًّا رفيعاً ضمّ وزراء الخارجية والدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات، في لقاءٍ مع نظرائهم الأتراك. وهذا المؤشر يدل على حساسية الملفات المطروحة للمناقشة، والتي شَمْلَت على الأرجح قضية التزام (قسد) باتفاق 10 آذار/ مارس، وجهود مكافحة تنظيم “داعش”، بالإضافة إلى الموقف من التدخلات الإسرائيلية في الجنوب السوري.

 

وتأتي هذه التحركات الدبلوماسية استجابة لمتغيرات إقليمية مفصلية، تمثل أبرزها في المساعي الأمريكية لدمج “قسد” في الجيش السوري، وهو ما استدعى تنسيقاً عاجلاً بين البلدين لمواجهة التداعيات المحتملة في ظلّ الضغوط الأمريكية الملقاة على عاتق الحكومة السورية لتقديم تنازلات جزئية في ملف شمال شرق سوريا، الأمر الذي دفع أنقرة إلى تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع دمشق. وذلك ضمن أطر سياسية وقانونية كتحديث الاتفاقيات السابقة أو تفعيلها، وعلى رأسها اتفاق أضنة، بما يمكنها من حماية مصالحها الأمنية والإستراتيجية، والمساهمة في صياغة المشهد السياسي والأمني في سوريا بما يخدم استقرار المنطقة.

 

 

الكونغرس الأمريكي يبدأ مسار  إلغاء عقوبات قيصر

في تطور بالغ الأهمية، صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي على إلغاء “قانون قيصر” – في إطار قانون تفويض الدفاع الوطني- الذي كان مفروضاً على سوريا منذ عهد النظام السابق، في خطوة وصفتها دمشق بـ “التاريخية”..

 

يُمثل التصويت نجاحاً للدبلوماسية السورية في قطع شوط كبيرة لإزالة أحد أقسى أنظمة العقوبات الأمريكية التي كانت تشكّل عقبة كأداءٍ في مسار الاستقرار والتنمية. وقد رحبت وزارة الخارجية السورية بهذا “التطور الإيجابي”، معربة عن تقديرها لهذا “التوجه المسؤول” من الأوساط التشريعية الأمريكية التي أدركت -حسب البيان- ضرورة إعادة النظر في السياسات السابقة.

 

من الناحية الإجرائية، تتبقى أمام العملية خطوتان أساسيتان: تتمثّل الأولى في مصادقة مجلس النواب عبر لجنة مشتركة مع الشيوخ على النص ذاته ضمن موازنة وزارة الدفاع، بينما تتمثل الثانية في توقيع الرئيس دونالد ترامب على الموازنة الجديدة قبل نهاية العام، ليصبح إلغاء القانون سارياً فعليًّا.

وفي سياق متصل، يدرس مجلس الأمن الدولي مشروع مسودة قرار أمريكي تنص على رفع القيود عن تدفّق الأصول المالية والتمويل والموارد الاقتصادية إلى الحكومة السورية، وشطب أسماء الرئيس السوري ووزير الداخلية من قائمة العقوبات. كما تسمح بتخفيف قيود نقل أسلحة محدودة وتحت إشراف الأمم المتحدة لأغراض مثل التخلص من الأسلحة الكيميائية، والحماية النووية، وعمليات إزالة الألغام، مع الحفاظ على الالتزامات الدولية بمواجهة “أعمال إرهابية” محددة. وتعكس هذه الخطوات في حال إقرارها تبدلاً نوعياً في مقاربة المجتمع الدولي للملف السوري، وتشكل اعترافاً بالتحوّلات الجذرية التي شهدتها سوريا، كما تُمهد الطريق لمرحلة جديدة في العلاقات السورية الدولية، يمكن أن تساهم في دعم عملية إعادة الإعمار والتنمية في سوريا.

 

وداعاً للوصاية: زيارة الشيباني تفتتح عهداً جديداً في العلاقات اللبنانية السورية

 

تشكّل زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى لبنان علامة فارقة في مسار العلاقات الثنائية، حيث تمثل أول زيارة لمسؤول سوري بهذا المستوى منذ التغيير السياسي في سوريا. جاءت هذه الزيارة في إطار السياسة الخارجية الجديدة للحكومة السورية، التي تهدف إلى إعادة بناء جسور التعاون مع محيطها الإقليمي بعد سنوات من العزلة.

تميّزت الزيارة بجمعها بين البعدين العملي والمعنوي، حيث ناقش الجانبان الملفات العالقة بين البلدين، بما في ذلك قضية السجناء السوريين في لبنان، وملف النازحين، وترسيم الحدود المشتركة، وتعزيز آمال مكافحة التهريب. وقد أسفرت المحادثات عن نتائج ملموسة، تمثلت في الاتفاق المبدئي لتسليم السجناء السوريين غير المدانين بجرائم قتل، مما يشكّل خطوة عملية نحو بناء الثقة المتبادلة.

وعلى الصعيد المؤسسي، تمّ الاتفاق على تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري، في خطوة تُعتبر نهاية لحقبة الوصاية السورية على لبنان وتحوّل العلاقة إلى مرحلة مؤسساتية تقوم على العمل عبر السفارات واللجان المشتركة التي ستتولى مراجعة الملفات العالقة. وكان هذا المجلس قد مارس خلال تسعينيات القرن الماضي دوراً يشبه “حكومة الظلّ المشتركة” التي تنسق الملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية بين البلدين، قبل أن يتراجع دوره بعد انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005.

وفي الجانب المعنوي، حملت الزيارة رسالة واضحة بقطيعة مع سياسات الماضي، تؤكد احترام دمشق لسيادة لبنان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.

الوضع الاجتماعي:

حملات جمع التبرعات تعبّر عن إصرار شعبي على إعادة البناء

واصلت المدن السورية حملاتها الشعبية لجمع التبرعات، في مؤشرٍ على التطلع المجتمعي المتزايد نحو إعادة الإعمار والتنمية واستمرار روح المبادرة والتضامن الاجتماعي رغم سنوات الحرب.

 

ففي أقصى الشمال، شهدت مدينة منبج بحلب حملة “فزعة منبج” التي تجاوزت تبرعاتها 11 مليون دولار، بمشاركةٍ شعبية وطابع مجتمعي مميز، وفي الجنوب، أُطلقت مبادرة “السويداء منّا وفينا” بدعمٍ مباشر من الرئيس أحمد الشرع، وجمعت أكثر من 14 مليون دولار بمشاركة رسمية وشعبية كبيرة. في الوقت ذاته تجاوزت الحملة في دلالاتها فكرة جمع التبرعات المادية لترتقي إلى تعبير عن الانتماء، ورسالةً تؤكد أنّ السويداء تشكل جزءاً لا يتجزأ من نسيج سوريا، لا ينفصل عن جسد الوطن وتاريخه المشترك.

 

بالمجمل، تشكّل هذه المبادرات والفعاليات جزءاً من ظاهرة وطنية أوسع سُجلت في إدلب وريف دمشق وحمص ودرعا ودير الزور وغيرها من المدن والمحافظات السورية، ممّا يعكس إصراراً شعبيًّا على تجاوز آثار الحرب وبناء مستقبل أفضل.

 

 

الوضع الأمني والعسكري:

عمليات أمنية ضد شبكات التهريب على الحدود

في عملية هي الثانية من نوعها خلال أسبوعين ضبطت القوات الأمنية شحنة صواريخ مضادة للدبابات في منطقة القصير بمحافظة حمص (وسط البلاد) كانت معدة للتهريب إلى خارج البلاد، لتبرز عدة أبعاد مترابطة. فمن الناحية الأمنية، تكشف العملية عن استمرار نشاط شبكات التهريب العابرة للحدود، خاصة مع موقع القصير الاستراتيجي القريب من الحدود اللبنانية، واستهدافها نقل أسلحة متطورة مثل صواريخ “كورنيت” المضادة للدبابات التي يمكن أن تؤثر في موازين القوى المحلية. ويمثل التكرار الزمني لهذه العمليات، حيث إنّها الثانية خلال أسبوعين بعد عملية مماثلة في ريف دمشق، مؤشراً على تصاعد وتيرة تهريب الأسلحة.

 

من ناحية أخرى توجه هذه العمليات رسائل متعددة، داخليًّا بطمأنة المواطنين بقدرة الأجهزة الأمنية، وخارجيًّا بتحذير الفاعلين الإقليميين من استمرار عمليات التهريب. كما تكشف هذه الحوادث أن البيئة الأمنية ما زالت هشة رغم التحول السياسي، وأن تعقيدات المشهد الأمني ستظل تمثل تحدياً رئيسيًّا للحكومة الجديدة في ظل صراعها مع إرث النظام السابق والقوى المتنافسة في مختلف المناطق.

 

 

إدلب: عمليات اغتيال ممنهجة

شهدت محافظة إدلب السورية تصاعداً مقلقاً في وتيرة العنف الأمني، بعد سلسلة من عمليات/محاولات الاغتيال التي طالت 3 شخصيات عسكرية وأمنية خلال 24 ساعة فقط.. وقد أثارت هذه الحوادث تساؤلات حول استقرار الوضع الأمني في المحافظة، ولتكشف أيضاً عن تحدياتٍ أمنية خطيرة ومدروسة وتستهدف خلق فراغٍ أمني في معقل الثورة السابق، حيث تكتسب هذه التطورات أهمية خاصة في ضوء المكانة الرمزية لإدلب.

 

وزارة الدفاع تطرح هويات عسكرية جديدة

تُشكّل إصدارات الهوية العسكرية الجديدة خطوة محورية ضمن مساعي إعادة الهيكلة المؤسسية، حيث تهدف إلى تحقيق أبعاد تنظيمية وأمنية متعددة. فعلى المستوى الإداري، تسعى لتعزيز السيطرة المركزية على أفراد الجيش وضبط تحركاتهم، وذلك في سياق كشف عن وجود تحركات عسكرية خارج الإطار الرسمي المباشر للوزارة. كما تأتي كردّ فعل على ثغرة أمنية خطيرة تتمثل في “انتحال الصفة العسكرية”، الذي يُستغل في التنقل بحرية تحت غطاءٍ عسكري لأغراض غير قانونية كالتهريب، ممّا يعزّز الأمن الداخلي من خلال تسهيل عمل الحواجز الأمنية في التمييز بين العسكري القانوني والمنتحل. إلى جانب هذه الأبعاد، تحمل الهوية بعداً رمزيًّا معياريًّا يسعى لترسيخ الانتماء الوطني والهوية المؤسسية

تتكامل هذه الخطوة مع إجراءات أخرى مثل منع خياطة وبيع الرموز العسكرية وحصر السلاح في الثكنات، غير أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، توضع في سياق تحدٍّ أوسع يتمثل في إعادة بناء الجيش في بيئة سياسية وعسكرية “غير مسبوقة”، مما يجعل نجاحها مرهوناً بكونها جزءاً من جهد استثنائي ومتواصل لمواجهة تركة سنوات من الحرب والتفكك.

 

قسد: المفاوضات السورية الكردية تدخل منعطفاً حاسماً

تُكشف التسريبات الإعلامية مدعومة بالتصريحات الأخيرة لقائد “قسد” مظلوم عبدي عن تحوّل نوعي في المسار التفاوضي مع دمشق، حيث تشير المفاوضات إلى تحقيق تقدم على مستويات متعددة. فمن الناحية العسكرية، تمّ الاتفاق على تنسيق شفهي بشأن دمج “قسد” في الجيش السوري عبر لجان مشتركة. أما سياسيًّا، فتظهر المفاوضات تقدماً حول إدراج بنود “اتفاق 10 آذار” في الدستور الجديد، ما يشير إلى سعي الطرفين لإيجاد صيغة توافقية.

 

ويكشف السياق الأوسع عن دورٍ أمريكي بارز في دفع هذه المفاوضات، حيث مثّل حضور المبعوث الأمريكي توماس براك وقائد القيادة الأمريكية الوسطى براد كوبر في اجتماع دمشق إشارة واضحة إلى الرعاية الدولية لهذا المسار. كما أنّ توقيت هذه التصريحات يأتي بعد أيام من توترات ميدانية في حلب، ممّا يؤكد أنّ الطرفين يدركان حدود المواجهة العسكرية ويفضلان الحلول التفاوضية. غير أنّ التعقيدات تبقى قائمة، خاصة مع تمسك “قسد” بعدم الانسحاب من دير الزور التي يمكن أن تكون مفاتيح لبناء الثقة، كون أنّ هذه الخطوة من الناحية العسكرية ستتسبب بفقدان “قسد” العازل المائي بينها وبين مناطق الحكومة السورية (نهر الفرات الذي يشطر محافظة دير الزور)، ويمنح دمشق أيضًا قوّة بشرية أكبر من خلال العشائر الموجودة في مناطق دير الزور الخاضعة لسيطرة “قسد. كما أنّ التوترات الكردية مع تركيا تجعل من هذه الاتفاقيات مجرّد خطوة أولى هشة في مسار طويل وشائك، بالإضافة للخلافات حول تفسير مصطلحات مثل “اللامركزية”، بينما يبقى تنفيذ الاتفاقات على الأرض هو المعيار الحقيقي لنجاح هذه المفاوضات.

 

 

السويداء: أزمة مركبة بين مطالب وحلول غير مجدية

ما زالت الأزمة في محافظة السويداء تُشكّل نموذجاً للتعقيدات السياسية والأمنية التي تواجهها سوريا في المرحلة الانتقالية، حيث تتقاطع عوامل محلية وإقليمية ودولية في مشهد بالغ التشابك.

 

أمنيًّا وعسكريًّا، شهد محور قرية ولغا خرقاً للهدنة الهشة، مع استهداف الفصائل المحلية في السويداء لنقاط الجيش والقوى الأمنية السورية، في تصعيد يعكس ضعف التفاهمات القائمة بين الأطراف، بينما يواصل “الحرس الوطني” التابع للجنة القانونية توسيع نطاق سيطرته على حركة المدنيين، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني.

 

سياسيًّا، تتصاعد المطالبات “بحق تقرير المصير” في ظل تنامي نفوذ اللجنة القانونية، بينما تواصل الحكومة سعيها لبناء جسور الثقة عبر إطلاق سراح 36 محتجزاً في محاولة لإعادة بناء جسور الثقة والتواصل مع أبناء المحافظة الجنوبية، وفي إطار تنفيذ خارطة الطريق التي أعلن عنها وزير الخارجية أسعد الشيباني في سبتمبر/أيلول الماضي، بدعم أردني وأمريكي، رغم رفضها من القوى المحلية والمرجعيات الدينية لهذه المبادرات.

 

إنسانيًّا، تعاني المحافظة من أزمة مركبة من انقطاع الرواتب وتعطل المؤسسات الحكومية، إضافة إلى الأزمات التعليمية والصحية، في ظلّ تعليق الهجري لأيّ حلولٍ، أو عجزه عن تقديم مقاربات للحل تخصّ ملف السويداء سوى تكرر مطالبه بالتدخل الدولي ودعم انفصال المحافظة، مستخدماً تسمية “جبل الباشان” العبرية التي تحمل دلالات تاريخية وجيوسياسية عميقة.

 

دوليًّا، تُدار الملفات عبر قنوات متعددة، حيث تشارك الأمم المتحدة والولايات المتحدة والأردن في مساعي البحث عن حلول. لكن تباين الرؤى بين المكون المحلي في السويداء والحكومة المركزية، إضافة إلى التدخلات الإسرائيليّة، يحول دون تحقيق اختراقات ملموسة على الأرض.

بين الطابع الديني والتاريخي، يستخدم الهجري تسمية “جبل الباشان” (تسمية عبرية لـ “جبل العرب”) التي تحيل إلى تاريخ جغرافي قديم ذي دلالات رمزية، في ظلّ استهداف إسرائيلي متواصل عبر عمليات “سهم باشان” التي استهدفت البنية العسكرية السورية بشكل واسع، ما يضيف بُعدًا آخر للأزمة يعكس الصراع الإقليمي الممتد.

شارك

مقالات ذات صلة