فكر

في بلد مثقل بالحروب والانقسامات.. المواطنة ضرورة لا ترف

أكتوبر 16, 2025

في بلد مثقل بالحروب والانقسامات.. المواطنة ضرورة لا ترف

الكاتب: محمود غريبي

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وما تبعها من تحوّلات سياسية عسكرية واجتماعية، تفاقمت الانقسامات داخل النسيج السوري على أسسٍ طائفية وقومية ومناطقية. وفي ظلّ هذا التشظي، بات مفهوم “المواطنة” غائباً أو مغيباً، لا على مستوى الخطاب العام فحسب، بل أيضاً على مستوى الحياة اليومية وعلاقة الفرد بالدولة والمجتمع.

في بلدٍ كسوريا، بتنوعه الطائفي (من سنة علويين دروز مسيحيين وغيرهم) والقومي (عرب أكراد آشوريون شركس تركمان وغيرهم)، تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة تعريف وترسيخ مفاهيم المواطنة بوصفها رابطاً جامعاً فوق كلّ الانتماءات الأخرى، لا يلغيها بل ينظمها في إطار دولة الحقوق والقانون.

رغم أنّ الدستور السوري نظرياً ينص على المساواة بين المواطنين، إلا أنّ الممارسة الفعلية غالباً ما كانت بعيدة عن هذا المبدأ، سواء قبل الثورة أو خلالها وحتى بعد انتصارها فهناك فئة تعتبر وصول شخص من طائفتها الى سدة الحكم انتصاراً لطائفتها لا للوطن والشعب، وأدى غياب مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، واعتماد الدولة على الولاءات الدينية والسياسية والأمنية، إلى تعزيز النزعات الفرعية وتقويض الهوية الوطنية الجامعة.

ومع توسع سيطرة قوى مختلفة على الجغرافيا السورية –من النظام، إلى أبناء الثورة ، إلى الإدارة الذاتية، إلى الفصائل المسلحة من مختلف الأيدلوجيات والولاءات– تكرّس نوع من “الولاء المحلي” القائم على الهوية الضيقة، مقابل غياب شامل لمفهوم المواطنة كعقد اجتماعي يضمن الكرامة والحقوق والواجبات بالتساوي.

في ظلّ هذا الواقع المعقّد، تبرز الحاجة إلى إنشاء جمعية مستقلة متخصصة في غرز وتعزيز مفاهيم المواطنة، تكون غير تابعة لأيّ جهةٍ حكومية أو سياسية أو دينية، تعمل في جميع المناطق السورية، دون تمييز بناءً على الجهة الحاكمة تكون أهدافها واضحة وصريحة ومعلنة وترأسها شخصية معروفة ومقبولة لدى أغلب أفراد الشعب السوري بعيداً عن طائفته أو قوميته ويكون من أهدافها:

نشر الوعي بالمواطنة وحقوق الإنسان بين جميع فئات الشعب، عبر برامج تعليمية وتوعوية.

بناء خطاب وطني جامع يتجاوز الانتماءات الطائفية أو القومية.

دعم مبادرات الحوار المجتمعي بين مكونات المجتمع المختلفة.

رصد انتهاكات المواطنة والمساهمة في إعداد تقارير حقوقية مستقلة.

إعداد جيل شاب مؤمن بالعيش المشترك والتنوع والتعددية.

لكن لكي تنجح مثل هذه المبادرة، يجب أن تتوافر فيها عدة شروط، من بينها: 

الاستقلال التام عن أيّ جهةٍ سياسية أو عسكرية أو دينية.

العمل الميداني المباشر في المناطق السورية المختلفة، من إدلب إلى السويداء، ومن الحسكة إلى درعا، دون اصطفافات أو تمييز. 

الاستفادة من الخبرات المحلية في كل منطقة، بما يضمن فهم الخصوصيات المجتمعية والثقافية.

الشراكة مع منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية التي تتقاطع أهدافها مع نشر ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان.

العمل التدريجي طويل الأمد بعيداً عن الطروحات النظرية أو المشاريع المؤقتة.

سوريا اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، بحاجة إلى مشروعٍ وطني حقيقي يعيد بناء الإنسان قبل البنيان. وغرز مفاهيم المواطنة في وعي الأفراد والمجتمع هو الخطوة الأولى في هذا الطريق. لا يمكن لسوريا أن تتعافى دون عقد اجتماعي جديد يؤمن بالمساواة والكرامة والحق في الاختلاف، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال جهود مستقلة، مخلصة، ومنظّمة.

ربما تكون هذه الجمعية المقترحة بذرة صغيرة، لكن التاريخ علّمنا أنّ أعظم التغييرات تبدأ بفكرة، وإرادة، ومجموعة مؤمنة بها.

شارك

مقالات ذات صلة