فكر
الكاتب: محمد فرح
عندما ينظر السوريون إلى واقعهم اليوم، سواء في السياسة أو في الرياضة، يجدون أنفسهم أمام لوحة متطابقة الملامح: دولة هشة ورياضية محطمة، شعب فقد الثقة في مؤسسات الحكم كما فقد الأمل في منتخباته وأنديته. إنّ التشابه بين ما تركه الأسد من دولة وبين ما آلت إليه الرياضة السورية ليس مجرد صدفة، بل انعكاس لنهجٍ واحد حكم كل تفاصيل الحياة.
كما أنّ الدولة السورية خرجت من سنواتٍ طويلة ببنية تحتية شبه مدمرة من كهرباء وطرقات ومؤسسات عامة كذلك الرياضة تعيش على أطلال ملاعب قديمة ومراكز تدريب متهالكة. الملاعب لم تُرمم، والصالات لا تصلح لممارسة الرياضة، وكأنّ الأرض نفسها تعكس انهيار الدولة. في الحالتين، لا يوجد أساس متين يمكن البناء عليه أو الانطلاق منه.
الدولة فقدت عقولها وخبراتها، فهجرة الكفاءات السورية في الطبّ والهندسة والتعليم جعلت الداخل فقيرًا بالخبرات الحقيقية. والأمر نفسه ينسحب على الرياضة: المدربون الأكفاء غادروا، اللاعبون الموهوبون لم يجدوا من يرعاهم، والكوادر الإدارية افتقرت لأيّ خبرة. النتيجة: بلد بلا مشروع دولة، ورياضة بلا مشروع تطوير.
من يراقب التعيينات في مؤسسات الدولة يعرف أنّ الكفاءة ليست هي الطريق للوصول إلى المناصب، بل الولاء والواسطة. وهذه الصورة تنسخ نفسها في الرياضة السورية؛ حيث كان يصل لاعبون عاديون أو إداريون بلا مؤهلات إلى مواقع القرار، فقط لأنّهم قريبون من دائرة السلطة أو من أصحاب النفوذ. هكذا صارت الرياضة نسخة مصغرة عن الدولة: سلّم مبني على المحسوبيات لا على الاستحقاق.
الفساد الذي نخر جسد الدولة السورية تجده حاضرًا في الرياضة بكلِّ تفاصيلها: من التلاعب بالنتائج، إلى صفقاتٍ مشبوهة في انتقال اللاعبين، إلى هدر المال العام في اتحادات يُفترض أن تخدم الشباب. لا فرق بين فسادٍ سياسيّ يسرق ثروات البلد، وفسادٍ رياضيّ يسرق أحلام اللاعبين والجماهير.
أخطر ما كان يجمع بين الدولة والرياضة في سوريا هو فقدان الأمل. المواطن السوري الذي لم يكن يثق في حكومته أو بقدرتها على إنقاذه، هو نفسه المشجع الذي لم يعد يثق بمنتخبه أو بقدرة اتحاده الرياضي على تحقيق أيّ إنجاز. في الحالتين، اليأس تحوّل إلى شعور عام يسيطر على النفوس، ويُبقي المستقبل معلقًا بين هجرة وانتظار بلا جدوى.
لكن الصورة لا تتوقف عند التشخيص فقط، بل تمتد إلى التحديات التي تواجه الدولة الجديدة بعد سقوط الأسد. فالنظام لم يترك وراءه أرضية جاهزة للبناء، بل ترك حطامًا يحتاج إلى سنواتٍ من العمل الجاد لإصلاحه. البنية التحتية المهدمة في القطاعات الحيوية، والمؤسسات التي نُخرت بالفساد والمحسوبيات، والكفاءات التي هاجرت أو أُقصيت، كلّها ملفات ضخمة ترهق أيّ سلطةٍ جديدة وتحمّلها مسؤولية مضاعفة.
الرياضة أيضًا تعكس هذا الواقع والدولة الجديدة مطالبة بإعادة بناء الملاعب والصالات، تأهيل الكوادر، وتأسيس اتحادات شفافة تبتعد عن الوساطات. وهي مسؤولية ضخمة لأنّها ليست مجرّد تحسين صورة رياضية، بل إعادة الثقة لشباب فقدوا الأمل لسنواتٍ طويلة.
بين الدولة السورية المدمرة تحت حكم الأسد، وبين الرياضة السورية المنهارة، ثمة خيط واحد يربط كل شيء: غياب الأسس، وانعدام الكفاءات، وسيطرة الفساد والمحسوبيات، وصولًا إلى انكسار الثقة الشعبية. واليوم، تقف الدولة الجديدة أمام جبلٍ من التحديات، فالمهمة لم تعد فقط إسقاط نظام، بل إعادة بناء دولة كاملة ورياضة كاملة من تحت الركام. إنّها مسؤولية ثقيلة، لكنّها الفرصة الوحيدة لإعادة الأمل لشعبٍ يستحق حياة ودولة ورياضة أفضل.




