تأملات

“وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”.. إلى أسطول الحريّة!

أكتوبر 4, 2025

“وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”.. إلى أسطول الحريّة!

“وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ” آيةٌ عظيمةٌ تدعوني دائماً للتّأمل، وكنتُ دائماً أتساءلُ:  كيف يجعلُ الماءُ كلَّ شيءٍ حيًّا؟

 فقد ذكر الله عزّ وجلّ (كلَّ شيء) على الإطلاق، أي تشملُ الماديَّ والمعنويَّ والمحسوسَ واللامحسوسَ، حتّى رأيتُ أسطولَ الحريّةِ يقتربُ من شواطئِ غزّة، فالتقطتُ معنىً جديداً ما كنتُ لأفهمهُ سابقاً عن ماهية (إحياء الماء).

وذلك حين رأيت البحر أي -الماء- وهو يحمل هذه السفن، يُحيي بي الأملَ، الرغبةَ، الحلمَ، الأمنياتِ، والفرحَ، وبما أنّ البحر هو ماءٌ بطبيعته، أدركتُ حقيقةَ (كُلَّ شيءٍ) في الآية.

هل المرءُ حين يقتربُ من الموتِ يزدادُ تأمّلُهُ؟ أو حينَ يتصالحُ مع فكرةِ الموتِ تماماً؟ أو حينَ يشعرُ كمْ أنَّ هذا الإنسانَ القاتلَ أحمقٌ وقد استبدل تكريم الله له بأنْ يكونَ خليفَتَهٌ على الأرض بأنْ يكونَ فاسداً ملعوناً؟

بعيداً عن تجربةِ الموتِ كُلَّ دقيقةٍ والتي أعيشها ما زلتُ حتى الآن في غزّة، وقريباً من الأملِ الذي أحياهُ البحر في روحي: شكراً يا أسطول الحرية، و شكراً أيّها البحر.

أحياناً لا يحتاجُ المرءُ أنْ يقرأَ كتاباً كي يفهمَ الرّسالة، تكفي ابتسامةٌ صغيرةٌ على وجهِ غريتا تونبرغ السويدية وهي تواجه همجية الاحتلال لتصلنا كلُّ الرّسائل.

أحياناً لا نحتاجُ إلى قاروراتٍ زجاجيّةٍ تحملُ في داخلها رسائلَ ورقيّةٍ تصلُنا عبر البحر، بل نحتاجُ إلى صبرٍ عظيمٍ يشرحُ لنا عظمةَ انتظارِ الأمل.

شكراً يا صبري لأنّكَ تحاولُ أنْ تكونَ عظيماً رغمَ كُلِّ هذا الخرابِ، القتلِ، الجوعِ، الدموعِ، الفقدِ، النزّوحِ، والتشريد.

شكراً لأنّكَ ما زلتَ تنتظرُ زجاجةً تحملُ رسالةً لكَ عبرَ بحرِ غزّة، وها هوَ أسطولُ الحريّةِ يفعلُهَا، كمْ أنتَ عظيمٌ يا صبري، كم أنتَ ملهمُ، وتستطيعُ أن تبصرَ الأملَ، رغمَ أنّ عيونك ذبلت من شدّة البكاء والقهر.

يا أسطولَ الحريّة:

لقد كانَ قلبي يبحرُ معكم، وكانتْ روحي ترافقكم، قرأتُ لكم (حزبَ البحر) لسيّدي العالم الجليل أبو الحسن الشاذلي، وكم استحضرتُكم في نيّتي وأنا أقول (وسخّر يا ربي لنا هذا البحرَ كما سخّرت البحرَ لموسى، وسخّرتَ الجبالَ والحديدَ لداوود) وسألتُ اللهَ راجيةً أكثر من مرّةٍ أنْ يفردَ سيّدنا جبريلَ أجنحتهُ فوقَ سفنكمْ فلا ينالُ منكم العدوّ، وأنْ تكونوا في كنفِ اللهِ وعينه،

 لماذا أقول هذا؟

لكي أخبركم “أنّكمْ منّا وأنتمْ منّا”، وهذا البحرُ الذي هو مخلوقٌ من مخلوقات الله، شهيدٌ لكم بأنّكم حاولتمْ الوصول لنا، وإنْ ظنَّ الاحتلال أنّهُ اعترضكمْ ،وأفشلَ رحلتكمْ، فواللهِ لقدْ وصلتمْ ووصلتمْ ووصلتمْ.

يستطيعُ القلبُ الشفافُ الصادقُ أن يعبرَ قاراتٍ ويشعرَ بمن يحبُّ وكأنّهٌ بجانبه، أمّا القلبُ المظلمُ المحجوبُ لا يستطيعُ أنْ يشعرَ بمَنْ يعيشُ بجانبهِ، فكيفَ بِمَنْ يَبْعُدُ عنه؟

يصلُ الإنسانُ بروحهِ النقيّة إلى أعلى مراتبِ الذّوق، بينما يسقطُ الآخرُ بروحهِ الشائبةِ إلى أسفلِ درجاتِ الركود.

يا أيّها البحر

يا مخلوقَ الله

شكراً لأنكَ جعلتَ من مائكِ حياة

لأملنا

لحلمنا

لقلبنا المتوقف

شكراً لأنّكَ فتحت ثغرةً في أطنان الركام من حولنا

لنرى الإنسان في فطرته النقيّة

شكراً لأنّك سمحت لنا

رغمَ كلِّ هذا السواد

برؤيةِ تلكَ الأيادي الممدودةِ نحونا

وإنْ كانتْ بعيدة

شكراً لأنّكَ علّمتنا

أنَّ الوصولَ لا يحتاجُ إلى ميناء

بلْ إلى انتظارِ صادق…

شارك

مقالات ذات صلة