مجتمع
“ماما بدي روح ع بيتنا، هاد المكان مو حلو” تسمع مريم هذه العبارة يومياً بشكل متكرر من أطفالها الثلاثة أكبرهم عمره 6 سنوات بعد عودتهم إلى منزلهم المدمر بشكل جزئي في مدينة خان شيخون جنوبي محافظة إدلب، إذ قالت لـ”سطور” لم يعرفوا سوى حياة المخيمات، فإن البيت هنا مختلف عن الخيمة التي نشؤوا فيها، والجدران الثابتة والأبواب المغلقة تبدو لهم غريبة ومريبة.
وسط محاولات الأم التأقلم مع الصعوبات اليومية بصبر، تعاني عائلات أخرى ذات المشكلة حيث يواجه الأطفال صعوبات بالتأقلم بسبب تغير بيئة العيش، فإن الظروف غير الطبيعية التي عاشها هؤلاء الأطفال خلال سنواتهم السابقة في مخيمات شمال غربي سوريا جعلتهم يعتبرون الخيمة منزلاً لهم.
وللحديث أكثر عن الصعوبات التي تواجه العائدين إلى منازلهم بعد تحرير سوريا في كانون الأول/ ديسمبر 2024 تواصلت “سطور” مع عائلتين من مناطق مختلفة، وأرسلت استفسارات إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للتطرق إلى الجهود الحكومية ومعرفة الإحصائيات الرسمية لأعداد العائدين، إضافة للنقاش مع باحثة اجتماعية لشرح الأسلوب المناسب للتعامل مع الأطفال في مثل هذا النوع من المشكلات.
تعزيز شعورهم بالأمان النفسي.
يواجه الأطفال العائدون من المخيمات صعوبات كبيرة في التأقلم مع بيئتهم الجديدة، سواء في المنازل، المدارس أو المجتمع المحيط، إذ تظهر لديهم مشاعر اغتراب وقلق نتيجة اختلاف العادات والعلاقات الاجتماعية، وهذه المشاعر طبيعية ومؤقتة، لكنّها تتطلب دعماً نفسياً مستمراً لمساعدتهم على التكيف.
أطفال مريم لم يكونوا حالة فردية، إذ يعاني أحمد أحد العائدين إلى مدينة معرة النعمان من صعوبة بالتعامل مع طفله البالغ من العمر 5 أعوام، فمنذ عودته وسط شهر آب/ أغسطس الماضي وحتى إعداد التقرير لم يستطيع إقناع طفله أنّ الخيمة مرحلة مؤقتة من حياة العائلة وما زال في خياله ينتظر العودة للخيمة التي يدعوها بـ”المنزل”.
وشرح أحمد لـ”سطور” عن بعض محاولاته لزيادة تأقلم طفله مع الواقع الجديد، ومنها اقتناء بعض الألعاب الجديدة كما عرّفه على أطفال آخرين في المنطقة لعلّه يصبح لديه أصدقاء، لكن قناعة طفله لم تتغير رغم مرور شهر على العودة، مشيراً بنبرة خائفة “أقلق أن يستمر في تفكيره هذا لوقت أطول”.
وتشير الباحثة الاجتماعية آلاء الدالي لـ”سطور”، إلى أنّ توفير استقرار مكاني وبيئة آمنة تلبي احتياجات الأطفال الأساسية يعتبر عاملاً أساسياً لتعزيز شعورهم بالأمان النفسي، كما يؤدي تمكين الأطفال من عيش طفولتهم ضمن بيئة أسرية وتعليمية آمنة دوراً محورياً في إعادة بناء ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على الانخراط في المجتمع الجديد.
وأكدت الدالي على أهمية توفير بيئة تعليمية مناسبة تتيح للأطفال متابعة تعليمهم دون انقطاع، إضافة إلى تقديم الدعم النفسي المستمر لهم ولعائلاتهم لتخفيف آثار فترة المعيشة في المخيمات.
وأوضحت الباحثة الاجتماعية إلى أنّ دور الأسرة يبرز في عملية التأقلم، من خلال تأمين الاحتياجات الأساسية للطفل وبناء الثقة والأمان عبر التربية بالقدوة والثناء والتشجيع وإتاحة الفرص للتجارب الجديدة التي تنمي مهاراتهم الاجتماعية والنفسية.
وتلعب المدارس دوراً مكملًا للأسرة من خلال أنشطة جماعيّة مشتركة وتشجيع الأطفال المتميزين وتقديم الدعم للأطفال الذين يحتاجون إلى متابعة تعليمية أو نفسية إضافية، وفق آلاء الدالي.
آلاف العائلات عادوا إلى مناطقهم.
وخلال إعداد التقرير تواصلت منصة “سطور” مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للحديث عن دور الحكومة في مواجهة صعوبة اندماج وتأقلم الأطفال العائدين من المخيمات إلى مناطقهم الأصلية.
وأوضح رئيس دائرة الأمن الغذائي في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بهاء مغلاج، أن عدد المخيمات في محافظة إدلب يبلغ حالياً 1035 مخيماً حيث عاد عشرات الآلاف من العوائل إلى مناطقهم الأصلية منهم 55 ألف عائلة إلى معرة النعمان، و32 ألف عائلة إلى سراقب و21 ألف عائلة إلى خان شيخون، مشيراً إلى إغلاق نحو 110 مخيمات بشكل كامل نتيجة عمليات العودة، ومن جهته أفاد مدير الشؤون الاجتماعية في إدلب فراس كردوش لـ”سطور”، إنّ عدد العائلات العائدة من المخيمات في محافظة إدلب بلغ 102,852 عائلة بينهم 272,543 طفلاً.
وعن المناطق التي عاد إليها الأهالي بشكل أكبر، أفاد مغلاج بأنّها تركزت في مناطق خان شيخون وحيش وكفر سجنة وبابولين والتح والمناطق المحيطة بسراقب وريفها، إضافة إلى معرة النعمان وريفها.
وأشار المسؤول إلى أنّه لا توجد حالياً برامج أو مراكز متخصصة لمساعدة الأطفال العائدين على التأقلم بالواقع الجديد، سواء مجتمعياً أو تعليمياً، نظراً إلى ضعف البنية التحتية في المناطق المحرّرة حديثاً، مضيفاً أنّه لا يتم حالياً التعاون مع جمعيات أهلية أو منظمات دولية لتقديم برامج مخصصة لدعم الأطفال في هذه المرحلة.
وفي السياق نفسه، ترى الباحثة أنّ وجود فريق دعم نفسيّ في كل مدرسة يتولى تنفيذ أنشطة دوريّة للطلاب والمعلمين حاجة ضرورية لضمان تكيف الأطفال واستقرارهم النفسي في هذه المرحلة الحرجة بعد العودة إلى مناطقهم الأصلية.
ويبقى التأقلم والاندماج تحدياً رئيسياً للأطفال العائدين من المخيمات، يتطلب جهوداً مستمرة من الأسرة والمدارس والجهات الحكومية لتوفير بيئة آمنة وداعمة للأطفال، في حين يبقى الوقت والصبر عنصرين أساسيين لمساعدة هؤلاء الأطفال على استعادة طفولتهم وعيش حياتهم في بيئة مستقرة وآمنة نفسياً.