سياسة

لماذا يغتال الساديّون أطباء غزة؟

يونيو 21, 2024

لماذا يغتال الساديّون أطباء غزة؟

تتكرر جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق أطباء غزة٬ سواء بالقصف المباشر أو القتل تحت التعذيب في معسكرات الاعتقال الصهيونازية٬ حيث لم يتورع المجرمون بالأمس عن خطف الدكتور الشهيد عدنان البرش رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء٬ وقتله داخل سجن عوفر (قرب رام الله بالضفة الغربية) في 19 أبريل/نيسان الماضي٬ ليعلن إعلام الاحتلال اليوم وبشكل مفاجئ عن مقتل الطبيب الشهيد إياد الرنتيسي رئيس قسم الولادة في مستشفى كمال عدوان٬ في أحد معتقلات جهاز الشاباك الإسرائيلي. 

 

7 أشهر والاحتلال الصهيوني يتكتم على اغتياله للطبيب الرنتيسي تحت التعذيب خلال التحقيق معه في “سجن شيكما”. فبحسب صحيفة “هآرتس” استشهد الرنتيسي أثناء استجوابه من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك) في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أي بعد 6 أيام فقط من اعتقاله في بيت لاهيا شمال غزة٬ بذريعة “الاشتباه بتورطه في احتجاز أسرى إسرائيليين في غزة”.

 

نفس التفاصيل القاسية التي مر بها الطبيب الشهيد البرش٬ يعاد سردها عن ظروف اعتقال وقتل زميله الشهيد الرنتيسي٬ حيث ينخرس العالم أمام خطف واغتيال أطبائنا وتكسير عظامهم وسفك دمائهم٬ ويتحول القانون الدولي إلى صنم من عجوة٬ تأكل منه هذه الحكومات والأنظمة “الديمقراطية” حينما أرادوا ذلك. 

 

اُختطف البرش والرنتيسي من بين مرضاهما، وغُيّبا في السجون ومعسكرات الاعتقال المظلمة والبعيدة عن عدسات الكاميرات٬ ولم نعرف عن استشهادهما إلا بعد وقت طويل ولا تزال جثامينهما الطاهرة محتجزة٬ والمصير ذاته نخشاه على العديد من الأطباء الآخرين والكوادر الطبية المعتقلين لدى الاحتلال٬ أبرزهم الطبيب الفذ محمد أبو سلمية مدير مجمع الشفاء الطبي٬ المُختطف منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

 

لم يُعرف إلا القليل عن مصير أبو سلمية منذ ذلك الحين٬ إلا أن القليل هذا جَبَل من جحيم٬ حيث يقول معتقلون مفرج عنهم وزملاء وأقرباء له إن يتعرض لأسوأ أنواع التعذيب والإهانة٬ حيث يجبره جنود الاحتلال على تناول الطعام مثل “الحيوانات”، بعدما كسر الجنود يديه أثناء التحقيق٬ حيث يمشي على يديه المكسورتين وركبتيه٬ كما أن الجنود وضعوا في رقبته حبلاً واقتادوه بطريقة مهينة أمام المعتقلين الآخرين.

 

هذا الذي عُرف عن الطبيب أبو سلمية في شهر شباط/فبراير الماضي٬ ومنذ ذلك الحين حتى الآن٬ لا يُعرف إن كان الرجل من الأحياء الناجين٬ أم من الأموات كزميليه البرش والرنتيسي، وهذا العذاب المنسي لا يصيب الأطباء وغيرهم من الأسرى فقط٬ بل إن جحيم الانتظار وعدم معرفة أي معلومة حول مصير الأسرى والمفقودين يأكل قلوب ذويهم في غزة٬ الذين يعيشون أصلاً ويلات الحرب والتهجير. ظُلم وظُلمات بعضها فوق بعض٬ يصنعها الاحتلال لشعبنا ويتلذذ العالم في مشاهدتها والصمت عليها.

 

يقول الطبيب الغزّي المفرج عنه مؤخراً مصطفى جواد صيام٬ الذي أمضى 54 يوماً في المعتقلات الصهيونية بعدما خُطف من مجمع الشفاء الطبي في مارس/آذار الماضي مع مئات آخرين، إن الموت كان أهون عليه مما تعرض له من تعذيب نفسي وجسدي على يد جيش الاحتلال٬ حيث لم يعش أي نوع من الراحة طوال فترة اعتقاله، مشيراً إلى أن المعتقلين من قطاع غزة يتعرضون دائماً للضرب وأيديهم مقيدة وأعينهم مغماة، ويطلق الجيش الكلاب عليهم، ويقدم لهم طعاماً قليلاً وسيئاً جداً، ومن بينهم أسرى صغار ومسنين يتعرضون لصنوف مختلفة من التعذيب دون مراعاة لأعمارهم أو أمراضهم.

 

وإلى جانب جرائم الخطف والتحقيق والتعذيب وظروف الاعتقال الساديّة النازية٬ مثل التي تروى عن “غوانتانامو إسرائيل”٬ سجن “سدي تيمان” الذي يخرج منه بعض معتقلي غزة مؤخراً كأنهم أشباح من شدة التجويع والتعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي٬ اغتال الاحتلال العشرات من الأطباء الفلسطينيين منذ بداية هذه الحرب٬ بشكل متعمّد ومقصود وممنهج٬ أملاً في سحق هذه النخبة التي تمثل شكلاً من أشكال صمود الشعب الفلسطيني الجريح أمام آلة الحرب الوحشية.

 

وضع مغول العصر المحتلين أطباء غزة الذين يمثلون خط الدفاع الأول عن شعبهم بين ثلاثة خيارات: الاعتقال أو الموت أو التهجير٬ وحتى الأخير أصبح مستحيلاً بعد احتلال معبر رفح وتدميره بالكامل. وقتل العدو الصهيوني عشرات الأطباء بعضهم في منازلهم مع جميع أفراد عائلاتهم مثل الطبيب عمر فروانة عميد كلية الطب في الجامعة الإسلامية٬ والطبيب همام اللوح طبيب زراعة الكلى الوحيد في غزة٬ والطبيب رأفت لبد مدير مستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية بغزة٬ وغيرهم الكثير بنفس الطريقة والأسلوب. 

 

كما قتل الاحتلال أطباء آخرين داخل مشافيهم مثلما فعل في مستشفى العودة المدمر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عندما قتلت مدفعية الاحتلال 3 أطباء وعدداً من الكوادر الطبية والمرضى. وما زال عشرات الأطباء والمسعفين يعملون ليل نهار طوال أشهر الحرب التسعة على مداواة جراح أبناء شعبهم ويتعاملون مع مختلف أنواع الإصابات التي تشيب لها الولدان٬ وسط شح في المعدات الطبية والأدوية بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال والجيران. 

 

تعجز الكلمات عن وصف الأهوال التي يمر بها أطباء غزة والكوادر الطبية٬ والتي لم يتكشّف منها إلا القليل حتى الآن٬ حيث يعلم الاحتلال أهمية هذا القطاع وهؤلاء الأطباء الذين يقودون المجتمع ويخففون أوجاعه رغم أوجاعهم٬ ويصنعون المستحيل لإبقاء أحدهم على قيد الحياة. يريد المحتلون كسر نخبتنا وقهرهم هم وعائلاتهم٬ وإفراغ غزّة مما تبقى منهم٬ فبدون الأطباء تهلك المجتمعات٬ وهذا ما يريه الغزاة لنا.

 

فيا أطباء غزة العظام٬ بحق كل قطرة عَرَق ودَم سالت منكم٬ بحق أيديكم المخضّبة بدماء شهدائنا وجرحانا٬ بحق أقدامكم المتورمة والمشققة والنازفة من الوقوف في مشافي غزة المدمرة أو معسكرات “سدي تيمان” وغيرها٬ شكراً لكم٬ لا شيء يوفيكم حقكم٬ ووالله لن ننساكم ما حيينا يا أجود الناس وأكرمهم.

 

شارك