فكر

سوريا.. جيش جديد وآمال معلقة عليه

سبتمبر 6, 2025

سوريا.. جيش جديد وآمال معلقة عليه

الكاتب: عبد المنعم غريبي

 

في أروقة التاريخ السوري الحديث، لم يكن سُقوط نظام الأسد الاستبدادي في الثامن من كانون الثاني 2024 محض تغيير سياسي، بل كان نهاية مسرحية دامية امتدت أجزاؤها خمسة عقود، حيث كانت المؤسسة العسكرية والأمنية هي القوة الخفية التي حكمت البلاد بقبضة من حديد.

بعد هذا الثقل في الماضي، تتجه الأنظار اليوم، نحو الحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، التي أعلنت عن مشروع لإعادة بناء الدولة وهيكلة مؤسساتها من جذورها، ومن أهم هذه المؤسسات هي المؤسسة العسكرية.

 

حيث كانت أُولى خطوات الحكومة الجديدة ضمن إطار إعادة الهيكلة المؤسساتية، حل الجيش النظامي السابق بكامل أفرعه العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية، والإعلان عن تشكيل جيش جديد سيبلغ  قوامه نحو 300 ألف عنصر، بين أفراد ورتب عسكرية مختلفة.

علاوة على ذلك شُرع في دمج الضباط والأفراد المنشقين من الجيش السابق تدريجياً، وفق مرحلة تخطيط مدروسة بالاعتماد على الخبرة العسكرية.

وبخلاف ما كان معتمداً عليه خلال العقود السابقة، سوف يعتمد الجيش المُشكل حديثاً على المنتسبين الجدد بشكل طوعي، مقابل التخلي عن التعبئة الإجبارية، ما يعكس تغيراً جذرياً في استراتيجية التعبئة العسكرية والقتالية.

 

إلى جانب ذلك، أصدر وزير الدفاع في الحكومة الجديدة، مرهف أبو قصرة، ميثاقاً أخلاقياً وسلوكياً مُلزماً لكل العناصر في الجيش، تتضمن الصرامة في الانضباط، حماية المدنيين، احترام القانون، وحماية حقوق الإنسان.

 

ويحظر الميثاق عصيان الأوامر، الاعتداء على المدنيين أو الممتلكات، التمييز بين المواطنين، إساءة استخدام السلطة، وإفشاء الأسرار العسكرية، كما يشدد على احترام الموقوفين، والالتزام بالآداب والتقاليد الاجتماعية.

 

لكن رغم أن الخطوات المُتبعة في إعادة تشكيل الجيش الجديد تمثل بداية مختلفة تحمل في طياتها الكثير من الآمال، إلا أن شبح الماضي يبقى حاضراً، إذ عانى الشعب السوري طيلة 5 عقود، من تسلط الأجهزة الأمنية وقوات الجيش على مفاصل الحياة بكامل أشكالها.

 

فُرضت سياسة “الحديد والنار”، قُمعت الأصوات المعارضة للسلطة، سقط عشرات آلاف القتلى والجرحى هُجّر الملايين، امتلأت السجون بالمعتقلين، وغُيّب الكثيرون وهدمت مدن عن بكرة أبيها.

 

عمد النظام السوري السابق الأب (حافظ الأسد) والابن (بشار الأسد) إلى ربط الجيش وقوات الأمن بكيانه عبر ولاءات خاصة، حيث وزعت الرتب العسكرية العليا للأشخاص الأكثر ولاءً للنظام، مما خلق شبكة قوية من الدعم الشخصي داخل الجيش تجاه القيادة السياسية، وأحكم السيطرة عليها، حيث شكلت هذه الأجهزة قبضة عسكرية مفرطة بيد السلطة، أرهبت وقتلت السوريين طيلة سنوات.

 

استمرت هذه المعاناة  لعقود، إلى أن اندلعت الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 وتكللت بسقوط  نظام عائلة الأسد الاستبدادية، وانهيار القبضة الأمنية والعسكرية التي كانت مسلطة على رقاب الشعب.

 

يتطلع السوريون اليوم، إلى جيش وطني يولد من بين صفوفهم ويعود إليهم، جيش يحمي حياتهم بدلاً من إزهاقها، ويصون أرضهم بدلاً من التفريط بها، ويرفع شأن كرامتهم بدلاً من انتهاكها.

 

لتبقى مسألة ترميم العلاقة بين الشعب والمؤسسة العسكرية ليست أمراً آنياً، بل مساراً طويلاً، يحتاج إلى التزام فعلي بالشفافية ومحاسبة أي تجاوزات، بالإضافة إلى تعزيز دور المجتمع في مراقبة سلوك الجيش الجديد.

وهنا يبرز السؤال الأهم: هل سينجح الجيش السوري الجديد في استعادة ثقة السوريين وكتابة صفحة جديدة ومختلفة من تاريخ المؤسسة العسكرية؟

شارك

مقالات ذات صلة