تأملات
1- شُكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ ألّا أُحدِّث الناس بكل النعم التي حباني الله إيّاها، لأنّ البعض عيونهم فارغة، ونظراتهم سهامٌ مسمومة، كانت هذه أولى وصاياك لابنك الوسيم حدّ الذهول «يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا»!
2- شُكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ أنّ الإنسان لا يقوى على قلبه، ولكنّه يجب أن يقوى على تصرفاته! وقد جعل الله تعالى يوسف أثيرًا في قلبك، وقدَّر سبحانه أن تهبه فؤادك وتميّزه عن بقية إخوته، ليعلّمنا ربنا العادل ألّا نُميِّز ولدًا على ولدٍ في المعاملة وإن كان يستحق، فنحن أحيانًا دون أن نشعر نوغر صدور أولادنا على بعضهم البعض!
3- شكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ ألّا أُصرِّح بمخاوفي كي لا يستخدمها الناس ضدّي، ولأنّك قلت لأولادك «وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ» قالوا لك: «إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ»! نحن أحيانًا نعطي الآخرين الأسلحة التي يحاربوننا بها!
4- شكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ ألّا تنطلي عليَّ أدلة الباطل الزائفة، وألّا أُصدق كلَّ ما أسمع، وأن أُقلِّب كلَّ ما أرى، فأفكر وأتدبر وأحلّل، وما أنبهكَ يوم لم يخدعك الدم الكذب على قميص ابنك! فعرفتَ أنّه أمرٌ دُبر بليل أيّ ذئبٍ هذا الذي يفترس غلامًا صغيرًا ويترك قميصه سليمًا!
5- شكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ أنّ الطعنات تأتي أحيانًا من حيث لا نحتسب، وأنّ الأقربين طعناتهم أشدُّ إيلامًا من طعنات الغرباء، لأنّهم يعرفون أين يغرسون رماحهم، ولأنَّ فيها طعم الخذلان، وحين سلم ابنك من الذئب لم يسلم من إخوته، وحين كفّ الناسُ أذاهم عنك جاءتك الطعنة من أولادك!
6- شكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ أنّ المؤمن لا ييأس من رحمة الله، وأنّ أفضل العبادة انتظار الفرج من الله، والله عند ظن عبده به، وما أرسخ إيمانك إذ تقول لأولادك: «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»!
7– شكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ أنّ السؤال لغير الله مذلة، فالشكوى لغيره طرق لبابٍ خاطئ، والاعتماد على المخلوقين خيبة، وأنّ من ربح الله قد ربح كلَّ شيءٍ ولو خسر الناس جميعًا، ومن خسر الله قد خسر كلَّ شيءٍ ولو ربح الناس جميعًا، فعندما سُدَّت الأبواب، وبلغ القلب الحنجرة، قلتَ: «إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»!
8- شكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ أنّ للحبّ رائحة تشمّها قلوب المحبين قبل أنوفهم، وعندما أخبرتهم أنّك تجد ريح يوسف، قالوا عن هذا أنّه ضلالك القديم، من يُقنع الكارهين أنّ القلوب تشمُّ ولا تُخطئ رائحة أحبتها؟!
9- شكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ ألّا أُصرِّح بالغاية من وراء كلّ أفعالي، وأن أترك شيئًا لنفسي ولا أشارك الآخرين بكل ما يجول في خاطري، لم تخبر أولادك لِمَ أردتهم أن يدخلوا متفرّقين، تركتها لنفسك، فتركها الله غيبًا كرامة لك، ما أعزّك عند ربك حتى حفظ لك حاجة أضمرتها في نفسك، فحين جعل قصتك قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة لم يخبرنا بها!
10– شكرًا سيدنا يعقوب، من قصّتك تعلّمتُ أنّ الغائب يعود، فالصبي الذي أحالوا بينك وبينه عاد إليك عزيزًا لمصر كلِّها، وأنَّ المريض يشفى فإنّ بصرك الذي ذهب بكاءً وحزنًا عاد سيرته الأولى، وأنَّ الشمل يلتئم فإن الأبناء الذين فرّقتهم الدنيا جمعتهم مرة أخرى، وأنّ قدر الله نافذٌ لا محالة فبعد أربعين سنة تحقّقت رؤيا الصبي «وَخَرُّوا لَهُ سَاجِدِينَ»، وأنّ الله لا يعجل بعجلة أحد!




