مجتمع
في قلب تركيا، حيث تتلاقى الثقافات وتتشابك القصص، وجد كثير من اللاجئات السوريات أنفسهن يعشن تجربة الزواج من رجال أتراك، وبينما يحاولن بناء حياة جديدة في مجتمع مختلف عن بيئتهن يبقى الحنين إلى الوطن حاضراً في تفاصيلها اليومية.
تتجلى هذه الازدواجية في المشاعر مع تحرير سوريا في 8 تشرين الأول العام الفائت ورؤيتهن بدء بعض العائلات بالعودة إلى سوريا، حيث تتصاعد الأسئلة، هل يُمكن العودة بعد كُل هذه السنوات؟ وهل الوطن ما زال كما تركناه؟ وما مصير الأسرة التي باتت تتجذر في تركيا وولدت نساؤها أطفالاً في أراضيها من أزواج أتراك؟
في هذا التقرير، نستعرض تجارب نساء سوريات تزوجن من رجال أتراك، ويشاركن قصصهن عن الحنين، والمخاوف، والصراعات الداخلية التي يعيشونها في محاولة التوفيق بين الانتماء الأول والحياة الراهنة، كما نناقش مع باحثة اجتماعية الجوانب النفسية والاجتماعية والأسباب التي تدفعهن لقرار البقاء أو العودة.
من حق أطفالي العيش ببلد والدتهم
ترى بعض النساء السوريات أن العودة إلى سوريا قد تمنح أبناءهن فرصة التعرف على جذورهم، وتعزيز ارتباطهم بالهوية واللغة والعادات. من بينهن اللاجئة نور، التي تزوجت من رجل تركي بعد عامين من لجوئها إلى تركيا، حين كانت تبلغ من العمر 19 عاماً.
قالت نور لموقع “سطور” إن فكرة الزواج من رجل من بيئة وثقافة مختلفة كانت غريبة وصعبة في البداية، لكنها تأقلمت معها خلال فترة الخطوبة والأشهر الأولى من الزواج، ولم تكن تظن حينها أن العودة إلى سوريا ستصبح يوماً خياراً مطروحاً، خاصة في ظل قناعتها بأن النظام لن يسقط في وقت قريب، وكان ذلك الاحتمال يبدو بعيداً جداً.
وتابعت حديثها قائلة: “كنت مقتنعة أن حياتي ستبقى هنا، لم أكن أتخيل أن هناك أملاً في العودة، ولم أفكر جدياً بهذا الموضوع، لكن عندما صار هناك تغييرات وأناس حولنا بدؤوا يعودون أحسست أن قلبي ليس هنا أولادي لا يتحدثون العربية، ولا يعرفون عن بلدي شيئاً، وأنا لم أستطع تعليمهم أموراً تربيت عليها”.
أوضحت نور، أنها تحدثت مع زوجها التركي عن فكرة العودة إلى سوريا والاستقرار هناك بعد التغيرات الأخيرة، إلا أنه رفض الأمر بشكل قاطع، مبررًا ذلك بأن الحياة هناك غير مناسبة، خاصة أنه لا يتحدث اللغة العربية، ما سيصعّب عليه التأقلم والتواصل مع من حوله. وأضافت نور أن زوجها أخبرها بعدم إمكانية العيش في سوريا وأن كان وضعنا المالي جيداً.
وأشارت إلى أن هذا الرفض ولّد داخلها شعوراً بالانقسام، قائلة: “أنا أحبه، لكن يوجد شيء في قلبي غير مفهوم ربما لأن زوجي لا يعرف معنى الحنين للوطن، ولا حسرة الغربة عند رؤية فيديوهات عن بلدي، هو يفكر بمنطق لكني أعيش بذاكرتي”.
في هذا السياق، ترى الباحثة الاجتماعية آلاء الدالي التي قالت لموقع “سطور” إن النساء السوريات المتزوجات من رجال أتراك غالباً ما يشعرن باستقرار نفسي واجتماعي نتيجة اندماجهن في المجتمع التركي، ما يجعل قرار العودة إلى سوريا معقّداً نفسياً، خاصة في حال وجود أطفال، إذ تتضاعف الحيرة بين الحنين والواجب الأسري، والخوف من عدم قدرة الأبناء على التأقلم أو التحدث بالعربية.
“تركيا صارت بلدي الثاني”
بعيداً عن مشاعر الحنين والانقسام، تجد بعض النساء السوريات في تركيا فرصة للاستقرار وبناء حياة جديدة، ديما واحدة منهن، اختارت التكيّف مع الواقع ووضعت أمن عائلتها فوق كل اعتبار.
من جهة أخرى، تختلف تجربة ديما، 27 عاماً، التي تتابع دراستها الجامعية في مدينة إسطنبول ، وتزوجت من شاب تركي قبل 4 أعوام، وتعتبر أن تركيا باتت بلدها الثاني، حيث استطاعت أن تبني فيه حياة مستقرة نسبياً، وتندمج في المجتمع من خلال الدراسة والعمل والعائلة.
قالت ديما لموقع “سطور” إنها لا تفكر بالعودة إلى سوريا في الوقت الحالي، خاصة أن عائلتها ما زالت مقيمة في تركيا، وزوجها مرتبط بعمله هنا، وأطفالها ما زالوا صغاراً، موضحة أن الأولوية لديها هي استكمال تعليمها وتأمين مستقبل جيد لعائلتها في بيئة مستقرة وآمنة.
رغم ذلك، تعترف ديما أن شعور الانتماء لسوريا لا يغيب عنها، مؤكدة أنها تحلم بالعودة يوماً ما، لكن فقط “عندما تصبح البلاد مكانًا آمناً يستحق التضحية بالاستقرار”.
وتضيف في ختام حديثها، “أنا بنت الشام، والحنين يظل ساكناً داخلي، لكن الحياة هنا علّمتني كيف أكون واقعية، لا أريد أن يعيش أولادي حرباً جديدة، أريد لهم مستقبلاً آمناً، عندها نعود لزيارة البلد أو حتى العيش لكن بكرامة وأمان”.
رغم اختلاف التجارب، تشير الباحثة آلاء الدالي لموقع “سطور” إلى أن العوامل النفسية والاجتماعية، ووجود الأطفال، وصعوبة التأقلم مجددًا في سوريا، كلها تُعقّد قرار العودة. وتؤكد أن النساء لا يقررن وحدهن، بل تُحكمهن اعتبارات الأسرة واللغة والاندماج، ما يجعل كل حالة فريدة ومعقدة بطريقتها الخاصة.
رغبة الأمهات السوريات في العودة لا تنفصل عن مشاعر الحنين، لكنها تصطدم بواقع جديد صنعته سنوات الغربة، من أطفال ولدوا في تركيا يتحدثون لغات متعددة وأزواج لا ينتمون لنفس الجذور، وبين القلب والعقل تظل القرارات مؤجلة ومؤلمة وشخصية جداً تختلف من قصةٍ لأخرى.