مجتمع
بين ثنايا المجتمع، حيثُ تُحاكُ حكايات النجاحِ بِخيوطِ العُرفِ والتقاليد، يقفُ التخرجُ شاهداً على إنجازٍ أكاديميٍّ يُضيءُ دروبَ الفتاةِ نحوَ مستقبلٍ واعد. لكنْ، ما زالتْ تلكَ النظرةُ الضيقةُ تُلقي بظلالها على هذا الإنجازِ، مُقَلّلةً من قيمتِهِ ومُقارنَةً إيّاهُ بِعقدِ القرانِ كأنّهُ هوَ الغايةُ المنشودةُ والنجاحُ الحقيقيّ.
فمنذ بداية رحلةُ العلمِ الشاقةِ من رحابِ المدرسةِ الابتدائيةِ إلى رحابِ الجامعةِ، رحلةٌ تُزهرُ فيها المعرفةُ وتُثري العقلَ، وتُرافقُها ضغوطاتٌ وتوقعاتٌ من العائلةِ والمجتمعِ، وبوجه الخصوص على الفتاةِ فمع كلّ خطوةٍ تتقدّمُها في دروبِ العلمِ، تنهالُ عليها النصائحُ والتوصياتُ بشكل خاص وهي “الحصولُ على عريسٍ”.
ما زلت أتذكر يوم قبولي في الجامعة حيث حرصتْ قريباتي على تذكيري ونصحي أن لا أتخرج إلا بشهادتين شهادة الجامعة وشهادة الزواج، فإن الحياةَ ما بعدَ التخرجِ ضياعٌ لا خلاصَ منهُ إلّا بالزواجِ ورحلة البحث عن شريك أصعب من رحلة الدراسة والعمل. توقّعتُ أنْ يكونَ هذا ناتجاً عن تأخرِهنّ في الزواجِ، لكنْ سرعانَ ما اكتشفتُ أنّ هذهِ العقدةَ تُلازمُ نسبةً كبيرةً من النساءِ في مختلفِ الأعمارِ.
فما الذي جعلَ فكرةَ الارتباطِ والزواجِ تُسيطرُ على عقولِ النساءِ في الآونةِ الأخيرةِ؟ كوني ترعرعتُ في مجتمعٍ منقسمٍ بينَ القسمِ العشائريّ الذي يُزوّجُ الفتاةَ قبلَ أنْ تبلغَ، والمجتمعِ المدنيّ الذي تُواصلُ فيهِ الفتاةُ تعليمَها وتنمو طموحاتُها معَها، فما الذي جعلَ حتّى الفتاةَ المتمدّنةَ اليوم تضعُ الزواجَ كأولويّةٍ في حياتها وتُسابقُ الزمنَ لِلحصولِ على “فارسِ الأحلامِ”؟
فقدْ كشفتْ إحصائيةٌ رسميةٌ قبلَ عامينِ أنّ ربعَ نساءِ العراقِ متزوجاتٌ قاصراتِ، واليومَ بعدَ عامينِ لا أستبعدُ أنْ إن ارتفعت النسبةُ، فبعدَ بلوغي الثالثةَ والعشرينَ من عمري، وجدتُ نفسي على أعتابِ “العنوسةِ” وفقاً لمؤشراتِ المجتمعِ! ولم يمر يوماً إذا لم أُسأل فيه عن سبب تأخري إلى الآن!
وهذا ما دفعني للتساؤل ما تعيشُهُ المرأةُ العراقيةُ اليوم ماذا يسمى هل هوَ عنوسةٌ مبكرةٌ أمْ زواجٌ مبكرٌ؟فالخوفُ من “العنوسةِ” في المجتمعِ العشائريّ أمرً طبيعيًّ، لكنْ ما َ تفسيرهُ في المجتمعِ المدنيّ؟
وبعدَ تمعّني في سلوكِ الداعياتِ للزواجِ السريع والباحثاتِ عن “فارسِ الأحلامِ” والهارباتِ من “العنوسةِ”، لم أجدْ تفسيرًا لاندفاعهن سوى في النقاطِ التاليةِ: