سياسة

تقرير دوري (06): قراءة في المشهد السياسي والمحلي في سوريا 9 حزيران/ يونيو 2025

يونيو 10, 2025

تقرير دوري (06): قراءة في المشهد السياسي والمحلي في سوريا 9 حزيران/ يونيو 2025

تسارع الخطوات الأمريكية نحو التطبيع مع دمشق، بدءاً بلقاء الشرع وترامب ورفع العقوبات، وصولاً إلى الموافقة المثيرة على دمج مقاتلين أجانب في الجيش السوري. على الصعيد الإقليمي، تعيد الزيارات المتبادلة مع دول الخليج تشكيل التحالفات وتمهد لمشاريع إعمار كبرى. بينما تواجه الحكومة تحديات محلية ملحة كدمج “الخوذ البيضاء” وإغلاق مخيم الركبان، وسط مخاطر أمنية متصاعدة من تنظيم داعش والتدخل الإسرائيلي. وفي إطار إحياء الاقتصاد، تبرز إعادة افتتاح بورصة دمشق رمزاً لانتعاش واعد رغم العقبات.



الوضع السياسي: تسارع التطبيع مع واشنطن، وإعادة تشكيل التحالفات مع الخليج


تسارعت الخطوات الأمريكية نحو تطبيع العلاقات مع سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد، بدءاً بلقاء الرئيسين الشرع وترامب في الرياض، ورفع العقوبات، وتعيين توماس باراك مبعوثاً خاصاً وزيارته لدمشق (مرفوقة برفع العلم الأمريكي). كما شملت التحولات استثناء سوريا من حظر ترامب الجديد للسفر، وإزالتها من لائحة “البلدان المارقة”، والموافقة المفاجئة على دمج مقاتلين أجانب في الجيش السوري، مما يعزز التفاؤل بمستقبل سوريا موحدةً ومستقرةً. 



وتكرس موافقة واشنطن على دمج المقاتلين الأجانب ضمن الجيش السوري الجديد، تحولاً لافتاً في سياستها تجاه سوريا ما بعد الأسد، وتمثل نجاحاً دبلوماسياً لإدارة الشرع. فقد انتقلت السياسة الأمريكية من شرط إبعاد هؤلاء المقاتلين مقابل رفع العقوبات، إلى مقاربة واقعية تفضّل احتواءهم داخل مؤسسات الدولة تحت الرقابة، بدلاً من دفعهم نحو العمل السري أو التطرف. هذا النجاح جاء مدفوعاً بقناعة غربية بضرورة الدمج، حيث تتقاطع المصالح السورية والدولية: 



– سوريا: تسعى لاستيعاب المقاتلين ذوي الخبرة، ومنع انضمامهم لفلول داعش، وتعزيز شرعيتها خلال المرحلة الانتقالية. 

– الغرب: يهدف لتجنب ملاذات جهادية جديدة وتحقيق الاستقرار عبر دمجهم في بيئة مُراقَبة. 

– شركاء إقليميون (كأوروبا وآسيا الوسطى): يرون في بقائهم بسوريا خياراً أقل كلفةً يحدّ من انتقال التطرف إلى بلدانهم، كما في حالة الصين التي تخشى عودة “الإيغور”. 

 


دبلوماسياً، تحمل الزيارات المتبادلة بين سوريا ودول الخليج (زيارة الرئيس الشرع للكويت، وزيارة وزير الخارجية السعودي بوفد اقتصادي دمشق، والوفد الحكومي السوري قطر)، أبعاداً سياسية واقتصادية تعكس إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية وسعي سوريا لشراكات تنموية. وترتكز هذه الخطوات على مصالح مشتركة تفتح الباب لمشاريع إعمار كبرى، ودعم مالي لإنعاش القطاع العام، وتحسين الواقع المعيشي عبر خلق فرص عمل وتعزيز الخدمات الأساسية، فضلاً عن كسر العزلة الدولية. 



ورغم التحديات الأمنية وضعف البنية التحتية وانتشار القواعد الأجنبية، يُشكل التحالف الخليجي السوري نواةً لمحور إقليمي أوسع (بمشاركة تركية) يعيد تموضع سوريا كـ”مركز توازن”، خاصةً بعد رفع العقوبات. حيث ترى دول الخليج في استقرار سوريا جزءاً من دورها الإقليمي ومصلحةً لأمن المنطقة. 



الوضع المحلي والاجتماعي: إعادة بناء الدولة محلياً 


في خطوة شبيهة بحل الحزب الإسلامي التركستاني، أعلنت منظمة “الخوذ البيضاء” اندماجها الكامل في الحكومة السورية، مع نقل أنشطة الاستجابة الطارئة إلى وزارة الطوارئ والكوارث، وإحالة ملفات العدالة والمناصرة للجهات المختصة. 


تمثل هذه القرارات لحظة محورية في تفكيك البُنى الموازية التي تشكلت أثناء الصراع، وتعزز مركزية الدولة وتحدّ من التدخل الخارجي. لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب نقص الإمكانيات المالية للوزارة (خاصةً بعد توقف الدعم الأوروبي)، في ظل معاناة الحكومة من أزمات مالية حادة. 



كما مثل إغلاق مخيم الركبان بعد عودة كافة العائلات المقيمة فيه (نحو 10 آلاف نازح) إلى مناطقها، طياً لصفحة مأساوية من النزوح الذي فرضه نظام الأسد. وتشكل نهاية المخيم بارقة أمل للنازحين في مخيمات اللجوء الأخرى، ورافعةً لمسار حكومي واعد يهدف إلى تفكيك المخيمات المتبقية. 



وفي خطوةٍ وُصفت بـ”المخاطرة المحسوبة”، زار الرئيس أحمد الشرع محافظة درعا (مهد الثورة السورية) في أول أيام عيد الأضحى، رغم التوتر الأمني فيها. وتكتسب الزيارة دلالة خاصة، إذ تؤكد عزم الرئيس على فرض هيبة الدولة في المناطق الأكثر اضطراباً، خصوصاً مع التصعيد الإسرائيلي المتكرر عبر غارات وتوغُّلات حدودية. كما حملت رسالة طمأنة لأهالي المنطقة وتحدياً لإسرائيل التي تسعى لإدامة الفوضى في الجنوب. 



الوضع الأمني: تحديات الأمن المستمرة “داعش، والمليشيات المسلحة”


تمكنت الحكومة السورية بعد 6 أشهر من بسط سيطرتها على معظم الأراضي في ضمان استقرار نسبي رغم حل أجهزة الأمن السابقة، مع إجراءات لإعادة تنظيم المؤسستين العسكرية والأمنية. 



لكن ملف الجماعات المسلحة خارج القانون يظل معقداً، خاصةً: 

  1.   تنظيم الدولة “داعش” خصوصاً مع عجز حكومة دمشق عن نقل معتقلات التنظيم لمراكز خاضعة لإشرافها، وما يمكن أن يخلفه الانسحاب الأمريكي المتسارع من سوريا على عودة التنظيم، وفي ظل محدودية جهود الحلفاء الإقليميين لمكافحة التنظيم وإدارة سجونه.
  2. فلول النظام وظهور جماعة “المقاومة” التي أثارت جدلاً بعد إطلاق صاروخين على مرتفعات الجولان (تبنته مجموعات مثل “كتائب الشهيد محمد الضيف” وفصائل موالية لإيران)، مما يهدد بتوسيع العدوان الإسرائيلي وفقدان السيطرة الأمنية. 


كما تعود إلى الواجهة، حالة الانتقام الفردي ضد المحسوبين على النظام السابق، وذلك كإفراز طبيعي لموجة الغضب الشعبي العارمة نتيجة الإفراج المتكرر عن عناصر نظام الأسد ومجرمي الحرب دون محاسبة، حيث تتحول سياسة “السلم الأهلي” إلى “استفزاز أهلي”  خصوصاً مع ظهور شخصيات كـ “فادي صقر” في الواجهة، وعودة فلول النظام السابق لمناطقهم لاستفزاز السكان وسط غياب واضح لمسار وأدوات “العدالة الانتقالية”.



التدخل الإسرائيلي: تصعيد محدود ودعوات لتمكين الحكومة السورية


شهدت الحدود السورية الإسرائيلية اختباراً حاسماً بإطلاق صاروخين من جنوب الجولان (الحادثة الأولى منذ تولي الشرع الحكم)، رُدّ عليها بقصف مدفعي إسرائيلي تلاها غارة جوية. وأثارت الحادثة مخاوف من توسيع إسرائيل عملياتها داخل الأراضي السورية. 

وعلى إثر ذلك، سارع المبعوث الأمريكي توماس باراك إلى زيارة تل أبيب للقاء نتنياهو، في زيارة تعكس قلقاً أمريكياً من استمرار الضربات المزعزعة للاستقرار، كما ظهرت دعوات أمريكية لتمكين وزارة الدفاع السورية من العمل في كافة المناطق لضمان استقرار الحكومة الجديدة، مع تحذيرات لتل أبيب من أن “تقييد وصول القوات الأمنية قد يُستغل لزعزعة الاستقرار”.


 

في المجمل، دفع الاعتراف الدولي بالإدارة السورية الجديدة، إسرائيل لإعادة حساباتها، حيث: 

– جمدت هجماتها الرامية لتدمير القدرات العسكرية السورية (باستثناء الردود على عمليات الإطلاق). 

– تراجعت عن خطط تقسيم سوريا عبر المجتمع الدرزي لصالح الحوار مع دمشق. 


ومن المتوقع أن تستبدل إسرائيل (برعاية أمريكية) سياستها السابقة بعرض التعاون الاستخباراتي بشأن النفوذ الإيراني والجماعات الفلسطينية في سوريا، مما يجعل المسار التفاوضي الثنائي هو الأرجح.



القواعد العسكرية: إعادة تشكيل الوجود الأجنبي 


في تطور مفاجئ، تُشير تقارير إلى زيارة وفد عسكري أمريكي رفيع لدمشق قريباً للتوقيع على اتفاق يشرعن الوجود الأمريكي لأول مرة منذ عقود. بموجبه: 


– تُخلي واشنطن قواعدها في شمال شرق سوريا (دير الزور، الرقة، الحسكة). 

– تحتفظ بـ “قاعدة التنف” عند المثلث السوري الأردني العراقي. 


يمثل الاتفاق تحولاً استراتيجياً أمريكياً نحو أولوية الدبلوماسية والاقتصاد، متأثراً بدرس أفغانستان. ورغم ترحيب دمشق به كـ “شراكة استراتيجية”، يثير مخاوف من فراغ أمني في الشمال الشرقي ما قد يُنشط الإرهاب، ويزيد التوتر مع إسرائيل المعارضة للتقارب. 


إقليماً، أكدت التصريحات التركية رفض أنقرة إخلاء قواعدها العسكرية في شمال سوريا، مع نيتها تقديم تدريبات واستشارات عسكرية للجيش السوري، مع بقاء أكثر من 20.000 جندي تركي. وتربط أنقرة أي انسحاب مستقبلي بشروط تشمل: “الاستقرار الكامل، والقضاء على الإرهاب، وتأمين الحدود، وضمان عودة اللاجئين”، وهي أهداف بعيدة المدى تندرج ضمن خطط تعزيز نفوذها في دمشق بعد أن أصبحت حليفاً رئيساً للحكومة الجديدة. 



قسد: مفاوضات تحت ضغط الانسحاب الأمريكي


يشير الانسحاب الأمريكي الأخير لـ 50 جندي إلى نقل الملف السوري لحلفاء واشنطن (تركيا والسعودية)، ويعزز مسارين: 


  1. دمج “قسد” في حكومة دمشق. 
  2. المصالحة التركية الكردية بعد اختفاء المظلة الأمريكية. 

وتشير أنباء المفاوضات التركية مع قسد، وعملية تبادل الأسرى بين الحكومة و”قسد” في حلب، إلى أولوية الحلول السياسية قبل نهاية العام الجاري (الموعد المتفق عليه لإنهاء الدمج). لكن إدارة ترامب قد تمنح تركيا وسوريا الضوء الأخضر للتدخل العسكري إذا فشلت الدبلوماسية، خاصةً مع تضييق خيارات “قسد” بعد انحسار الدعم الأمريكي، وقيامها بإجراءات مثيرة للقلق مثل تسهيل هجمات “داعش” أو فتح سجون عائلات التنظيم. ورغم تفضيل قيادة “قسد” للحل السلمي (مع استخدام تكتيك المماطلة)، تجري استعدادات عسكرية مكثفة تحسباً لأي هجوم. 



الوضع الاقتصادي: تمويل الشركات وجذب الاستثمارات في مرحلة ما بعد العقوبات


تشكل إعادة افتتاح بورصة دمشق إشارة حيوية لانتعاش الاقتصاد السوري، عبر تحويل السوق لشركة خاصة ومواكبة التحول الرقمي. وتُعد البورصة أداة محورية في مشروع “سوريا الجديدة” لدعم إعادة الإعمار بعد توقف الحرب وإنهاء العقوبات.



 من الناحية العملية، استأنفت 14 شركة من أصل 27 مدرجة (في القطاعات المالية والصناعية والاتصالات) التداول، بينما تعمل الشركات المتبقية على استكمال متطلبات العمل. 



هذه الخطوة يمكنها توفير قنوات تمويلية للشركات عبر الطروحات العامة، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وتحفيز السيولة من خلال خلق بيئة استثمارية شفافة، إلى جانب دعم خطط الإصلاح الشامل التي تتضمن تعيين كفاءات اقتصادية وإعادة هيكلة القطاعات. 



رغم الإيجابية التي تمثلها هذه الخطوة وغيرها من المشاريع الاستثمارية، يُشدّد الخبراء على ضرورة اقترانها بإجراءات ملموسة كتشريع قوانين خاصة بالاستثمار ومكافحة الفساد وإصلاح المؤسسات للنهوض بالاقتصاد السوري بشكل كامل.

شارك