أسامة محمد 



في الخامس والعشرين من مايو/ أيار 2012، شهدت منطقة الحولة في ريف حمص السورية واحدة من أفظع المجازر التي كتبتها يد الظلم والطغيان في سجلّ التاريخ الإنساني. لم تكن مجزرة الحولة مجرد فصلٍ دموي في الحرب السورية، بل كانت وصمة عارٍ على جبين النظام السوري الساقط وأتباعه من مليشيات حزب الله اللبناني والشبيحة، الذين أغرقوا أياديهم في دماء الأطفال والنساء والشيوخ، مذبوحين بالسكاكين والسواطير في مشهدٍ يعجز العقل عن تصوره.



ليلة الرعب في تلدو:


بدأت المأساة مع غروب شمس ذلك اليوم الأسود، حين دوّت أصوات القذائف المدفعية التي أطلقتها قوات النظام على قرية تلدو في الحولة. كان القصف بمثابة ستارٍ لما هو أشدّ رعباً. تحت جنح الظلام، اقتحمت مجموعات من الشبيحة، مدعومين بعناصر من حزب الله، بيوت العائلات الآمنة. لم يكتفوا بالأسلحة النارية، بل حملوا سكاكين وسواطير كأنها أدواتٌ معدّة لمذبحةٍ طائفية مدروسة. دخلوا المنازل، جمعوا الأهالي – أطفالاً ونساءً وشيوخاً – وشرعوا في ذبحهم بدمٍ بارد. صرخات الأمهات وهي تحاول حماية أطفالها، وأنين الأطفال وهم يرون الموت يقترب، وتوسلات الشيوخ التي لم تلقَ أذناً صاغية، كلها ذابت في ليلٍ لم يعرف الرحمة.



وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، بلغ عدد الضحايا 108 أشخاص، منهم 49 طفلاً دون العاشرة و34 امرأة. لم يكن القصف هو الذي أودى بحياة معظمهم، بل كانت السكاكين والسواطير التي قطّعت أجسادهم في عمليات إعدام جماعية. صور الجثث المترامية في الشوارع، وأجساد الأطفال الممزقة، والدماء التي غطت جدران البيوت، كانت شاهدةً على وحشيةٍ لا مثيل لها. طفلة تحتضن دميتها ودماؤها تسيل، وأمٌ ترقد بجانب رضيعها المذبوح، مشاهدٌ تقشعرّ لها الأبدان وتدمي القلوب.



طائفية الجريمة ودور الجناة:


لم تكن مجزرة الحولة حدثاً عشوائياً، بل عمليةً منظمة تحمل بصمات الطائفية والكراهية. شهادات الناجين وتقارير منظمات حقوق الإنسان أكدت تورط مليشيات حزب الله اللبناني القدار، إلى جانب الشبيحة من القرى العلوية المجاورة، في تنفيذ هذه المجزرة بدعمٍ مباشر من قوات النظام الساقط. كان الهدف واضحاً: إبادة عائلاتٍ بأكملها، وترويع السكان، وإرسال رسالةٍ دامية إلى كل من يجرؤ على معارضة النظام. استخدام السكاكين والسواطير لم يكن صدفة، بل اختياراً متعمداً لإضفاء طابعٍ من الفزع والإذلال على الجريمة.



صمت العالم وصرخة الناجين:


رغم بشاعة المجزرة، جاء رد فعل المجتمع الدولي باهتاً، مقتصراً على بيانات الإدانة التي لم تُترجم إلى فعلٍ يوقف آلة القتل. أما الناجون من الحولة، فقد حملوا ذكرياتٍ لا تُمحى، وجروحاً نفسيةً لا تُشفى. أمٌ فقدت أطفالها الأربعة، وطفلٌ شاهد ذبح عائلته أمام عينيه، وشيخٌ كبير نجا بأعجوبة ليروي فصول المأساة، كلهم أصبحوا شهوداً على جريمةٍ لا تُغتفر.



ذاكرة لا تموت:

مجزرة الحولة ليست مجرد رقمٍ في سجلّ ضحايا الحرب السورية، بل رمزٌ للوحشية التي يمكن أن يصل إليها نظامٌ مستبد وأتباعه. دماء الأطفال والنساء والشيوخ التي سفكت في تلك الليلة المشؤومة تظلّ صرخةً تطالب بالعدالة. إن ذكرى الحولة ليست ملكاً للسوريين وحدهم، بل هي واجبٌ على كل إنسانٍ يؤمن بكرامة الحياة أن يحملها في ضميره، وأن يعمل لكي لا تتكرر مثل هذه الفظائع. ففي كل قطرة دمٍ سُفكت في الحولة، قصة إنسانٍ كان يستحق أن يعيش.

أحدث الصوتيات

مساحة مفتوحة للأقلام الشابة والعقول المبدعة، من مختلف الاهتمامات والانتماءات والبلدان.