الكاتب: علي الجاسم

 

 

لم تكن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على ريف دمشق مجرد تصعيد عابر، بل كشفت عن واحدة من أعقد المواجهات الاستخباراتية التي شهدتها الساحة السورية في السنوات الأخيرة. ففي قلب هذه العملية يقف جبل المانع، الموقع الاستراتيجي جنوب دمشق، والذي تحول فجأة من نقطة رصد متقدمة إلى عنوان لأحد أكبر الإخفاقات الاستخباراتية في تاريخ تل أبيب.

 

 

القصة من البداية

وفق ما نشرته تقارير في الصحافة التركية والإقليمية، رُصدت على سفوح جبل المانع منظومة اتصالات ورصد متطورة، استخدمت لمتابعة التحركات العسكرية الحساسة في الجنوب السوري.

هذه المنظومة، التي اعتمدت على أجهزة متقدمة قادرة على اعتراض إشارات الاتصالات وتحليلها، مثلت أداة ثمينة لمن وضعها، كونها تمنح قدرة على مراقبة شريان عسكري حساس يصل دمشق بجبهات الجنوب.

غير أن المفاجأة جاءت عندما تمكنت الاستخبارات التركية، عبر تقنيات تتبع إشارات متقدمة، من اكتشاف هذه الشبكة، وبدلاً من تفكيكها أو إتلافها على الفور، تم تمرير المعلومة إلى الجانب السوري، ليقوم باتخاذ قرار تركها تعمل لفترة تحت السيطرة.

الفكرة كانت واضحة: تحويل الشبكة إلى مصيدة معلومات مضادة، حيث تُغذى بمعلومات مضللة، في الوقت الذي يتم متابعتها بدقة لمعرفة كامل قدراتها وأهدافها.

 

 

لحظة الانكشاف

في البداية، لم تدرك تل أبيب أن شبكتها باتت مكشوفة، لكن خلال الأشهر الأخيرة، بدأت إشارات التحذير بالظهور صور جوية وتقارير ميدانية كانت تصل إلى غرف العمليات الإسرائيلية لا تتطابق مع الواقع، ونتائج بعض العمليات أظهرت اعتماد على معلومات غير صحيحة بالنسبة لأجهزة الاستخبارات، لم يكن ذلك خطأ عادياً، بل إشارة إلى اختراق كامل للشبكة.

 

 

رد فعل هستيري

حين اتضح حجم الفشل، جاء الرد سريعاً وعنيفاً، أكثر من 16 غارة جوية متواصلة استهدفت مواقع في محيط جبل المانع، تزامنت مع أنباء عن إنزال محدود في المنطقة، في محاولة يائسة لاستعادة أو تدمير الأجهزة الحساسة قبل أن تقع في يد الجيش السوري.

لكن، وفق ما أكدته وسائل إعلام إقليمية، كان الوقت قد فات، إذ جرى بالفعل استهداف بعض مكوناتها.

 

تداعيات استراتيجية

النتيجة لم تكن مجرد خسارة تقنية، بل نكسة استراتيجية، فالموقع لم يكن مجرد تلة عسكرية، بل بمثابة غرفة عمليات استخباراتية متقدمة.

 سقوطه يعني أن تل أبيب فقدت عيناً مركزية على دمشق وجنوبها، وبدأت بفقد الثقة في شبكاتها الأخرى، التي قد تكون بدورها تحت المراقبة أو حتى الاختراق.

محللون عسكريون وصفوا ما جرى بأنه “لحظة ارتباك استراتيجي”، حيث لم يعد واضحاً بالنسبة لإسرائيل إن كانت تستطيع الاعتماد على معلوماتها الاستخباراتية في الساحة السورية، أم أن عليها إعادة بناء بنيتها كاملة من جديد.

 

ماذا بعد جبل المانع؟

جبل المانع اليوم أصبح رمزاً لمعادلة جديدة: من يراقب من؟. فالكيان الذي اعتاد أن يمتلك اليد العليا في حرب الإلكترونية، وجد نفسه فجأة في موقع دفاعي، يخشى أن يكون ما يراه مجرد سراب مزروع له عمداً.

 

الموضوع أكبر من مجرد خسارة منظومة، إنه تحول استراتيجي يقول إن زمن الهيمنة الاستخباراتية المطلقة قد انتهى، وإن سوريا لم تعد فضاء مفتوح بلا رقابة.

 

 

الخلاصة

ما جرى في جبل المانع ليس مجرد حادثة عابرة، بل رسالة مزدوجة أن العمل الاستخباراتي في سوريا لم يعد حكراً على الاحتلال وبينما تحاول إسرائيل إعادة ترميم صورتها بعد هذا الفشل، يبقى جبل المانع شاهداً على أن لعبة الاستخبارات في سوريا دخلت مرحلة جديدة، أكثر تعقيداً وأشد خطورة.

أحدث الصوتيات

مساحة مفتوحة للأقلام الشابة والعقول المبدعة، من مختلف الاهتمامات والانتماءات والبلدان.