“الفاجنر” ظهرت في روسيا جماعة مسلحة غير نظامية في ثوب شركة أمن ولكن تكوين تلك الجماعة بأفرادها وتسليحها لم يوحِ أبدا بكونها شركة أمن عادية فهي للمدققين أشبه بالجيش الموازي وسرعان ما اتضحت الأمور وباتت الظنون والتخمينات حول هذه الشركة حقيقة فقد أوكلت لها الدولة الروسية عمليات نوعية تأبى أن تظهر للعلن تدخلها المباشر فيها فشاهدنا، جميعًا أعمال لتلك الجماعة في الداخل الروسي وفي أماكن كثيرة في أفريقيا فهي دائما موجودة في جوار أنظمة معينة أو في أماكن الثروات الطبيعية لدول أخرى، وما أكمل الصورة حول تلك الجماعة هو اشتباكها المباشر في الحرب على أوكرانيا وكان ما تابعه العالم أجمع من بصمة واضحة في الحرب، ولكن ما تلى ذلك هو الأهم حيث انقلب القائم على الأمر حين ذاك على النظام واستدار بقواته في مواجهة موسكو ولم يطل أمر انقلابه أو عدوله عنه حتى انتهى الأمر بنهايته.
أمر تلك الجماعة ليس ببعيد عن محيطنا ولا عن فكر حكام يجرمون التفكير أصلا ويعتبرونه خطيئة، فبالأمس القريب يسعى البشير إلى أن يكون لديه جيش موازي وعلى غرار الفاجنر يكون مجموعة الدعم السريع ويسمح لهم بالتسلح بالشكل الذي قد يؤثر في وقت ما على سلامة ووحدة الدولة، وهو ما كان. فما يحدث اليوم في السودان الشقيق هو نتاج تلك الفكرة التي لم يحسب صاحبها حساب هذا اليوم، هذا إن أحسنا الظن.
وبعد هذه التجربة وتلك وبعد ظهور نتائج هذه النوعية من الممارسات، وبعد أن أصبح واضحًا وجليًا للجميع أن عدم احتكار القوة العسكرية في قبضة الدولة قد يقود إلى مصير لم يطل بنا الزمن حتى نسقطه من ذاكرتنا ومن حساباتنا نجد تكوُّن ما يشبه هذا وذاك على الأراضي المصرية، فجماعة قبلية تعلن عن نفسها ككيان مسلح ومسؤول عن الدفاع عن الحدود وكأنه ليس للبلد جيش يحميه.
فبين عشية وضحاها يستيقظ الناس فجأة على كيان لا يعلم أحد كيف تكون ولا ماهية وطبيعة هذا التكوين ولا الهدف من ورائه، وأصبحت هناك أقوال كثيرة حوله وبات كأي وهم أو خرافة اعتاد الناس نسج الحكايات عنها، فبين مؤيد يرى فيها قدرات خارقة وبين معارض لا يرى فيها سوى حفنة من مرتزقة جمعتهم المصلحة، “وما يجلب العار أن يكون الدم الفلسطيني جزءا من تلك المصلحة “.
لا أرى في أغنيات المريدين على أعتاب هذا الكيان الذي ولد مشوهًا ما يصنع الحالة المرجوة لهم، لأن هذا البلد الضارب في جذور التاريخ والذي أسس أهله الأعراف والتقاليد التي تحكم الجميع، والتي حكمت وقت أن غابت كل سلطة في أعقاب ثورة يناير الخالدة. تلك الأعراف قادرة على دحر أي محاولة شبيهة لخلق الانقسام والفتنة وما يبقى غائبًا عن صاحب الفكرة وليس خافيًا على صاحب الارض أن مصر عصية علي هذا النوع من الفتن.
مصر باقية أبدًا والمصريون في رباط دومًا.