على وقع انفجار كنيسة مار إلياس الذي خلّف 22 قتيلاً، ودويّ اعتقال وسيم الأسد ابن عم الرئيس المخلوع، شهدت سوريا خلال النصف الأخير من حزيران/يونيو 2025 مرحلةً حرجةً تتصاعد خلالها التناقضات بين بوادر الانفراج الدولي (كمنحة البنك الدولي ومشروع إلغاء عقوبات “قيصر” الأمريكي) وواقع أمني متدهور يُذكّر بأن شبح الحرب لم يغِب بعد، بينما يُفاقم الاقتصاد المنهك من تعقيدات المشهد رغم محاولات إصلاح الكهرباء وزيادة الرواتب والتي تمنح بارقة أمل جديدة لكنها تظل قطرة في محيط الاحتياجات. 

 

 

يُضيء هذا التقرير الدوري على مفاصل التحوّل من اختبارات السيادة إلى معضلة المصالحة والعدالة مروراً بتفكيك شيفرة التفاعلات الإقليمية التي تُعيد رسم مستقبل سوريا على خارطة الصراعات المتجددة.

 

 

الوضع السياسي: صمت التصعيد وكسب الرهان الغربي

 
  • حافظت دمشق على حالة الصمت النسبي من الصراع الإسرائيلي الإيرانية، انطلاقاً من حرصها على تجنب الانجرار إلى حرب أخرى، ويعكس أداء دمشق في هذه الأزمة استراتيجية النأي بالنفس مع التحوّط الأمني: التزام الصمت الرسمي وتجنب الاستفزازات العسكرية من جهة، وتحريك القوات لضبط الحدود ومنع استغلال الأراضي السورية من قِبل حلفاء طهران من جهة أخرى.
 

وفي الوقت ذاته، سعت القيادة السورية إلى إبداء حسن النية لجيرانها العرب عبر الانخراط في الإجماع الإقليمي، كما ظهر في إدانة عدوان إيران على قطر، لتأكيد عودتها إلى الحاضنة العربية بعيدًا عن سياسات المحاور. هذا الموقف المزدوج يتماشى مع مصلحة دمشق المباشرة في تجنّب حرب لا طاقة لها بها والحفاظ على ما تبقّى من استقرار داخلي، وتعزيز مكاسبها السياسية بعد حقبة العزلة، بحيث لا تكون سوريا ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية بل طرفًا ملتزمًا بأمن المنطقة الجماعي. 

وهكذا، يتضح أن سوريا اختارت الحياد الحذر مع اتخاذ تدابير وقائية صارمة، حرصًا على عدم تكرار مآسي الصراع على أرضها، وعلى أمل أن يضمن لها ذلك استقرارًا هي بأمسّ الحاجة إليه في مرحلة ما بعد الحرب.

 

 

  • في خطوة تكرس الواقع السياسي الجديد بين دمشق وواشنطن، تقدّم مشرّعون أمريكيون بمشروع قانون لإلغاء “قانون قيصر” بعد تعليقه بشكل مؤقت والذي يأتي متماشيًا مع موقف إدارة ترامب التي أعلنت دعمها الكامل لرفع العقوبات، لتشجيع التعافي الاقتصادي في سوريا الجديدة والحفاظ على الاستقرار السياسي في البلاد. 
 

لكن هذا التوجّه لا يخلو من تحفظات داخلية. فبعض المشرّعين ما يزالون متوجسين من خلفيات بعض فصائل التحالف الذي انبثقت عنه الحكومة الحالية، بسبب ارتباطات سابقة مع تنظيمات إسلامية. ورغم ذلك، تبدو إدارة ترامب مصمّمة على تمرير القرار، في ظل قناعة متزايدة بأن نجاح المرحلة الانتقالية يقتضي دعمًا فعليًا لا يقتصر على التصريحات السياسية. 

 

ويتوقع مراقبون أن تنجح الإدارة الأمريكية في إقناع الأغلبية داخل الكونغرس، ما سيشكّل نقطة تحوّل استراتيجية تمنح الحكومة الجديدة فرصة حقيقية للانتعاش الاقتصادي واستعادة الثقة الشعبية والدولية.

 

 

  • في جلسة لمجلس الأمن بتاريخ 17 يونيو/حزيران، دعت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة الحكومة السورية الجديدة إلى تقديم خطة واضحة لتسلّم إدارة مراكز احتجاز عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرقي سوريا، معتبرة ذلك خطوة حاسمة لاختبار قدرتها على التعامل مع ملفات أمنية دقيقة.
 

تصريحات السفيرة الأمريكية، توضح أن إدارة معتقلي التنظيم تمثل معيارًا جوهريًا لاستقرار المنطقة، وسط تحذيرات مماثلة من وزير الدفاع الأمريكي من أي تقصير في هذا الملف وبالتالي إعادة إنتاج الخطر الأمني، وتقوّيض جهود محاربة الإرهاب. من ناحيتها ترى دمشق في هذا الملف فرصة لتأكيد موقعها كـ “الجهة السيادية الوحيدة” المخوّلة بإدارة شؤون الأمن، كما تعتبر أن التعامل الناجح معه سيساهم في ترسيخ شرعيتها، ويفتح الباب أمام انخراطها في تحالفات دولية لمكافحة الإرهاب. لكنها في الوقت ذاته قد تجد نفسها أمام تحدٍّ مزدوج: إثبات قدرتها على بسط سيادتها، وفي الوقت ذاته بناء شراكة أمنية موثوقة مع المجتمع الدولي في بيئة معقدة لا تحتمل التجربة والخطأ.

 

 

  • .يعكس بيان مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي، الذي أعرب عن ترحيبه بالخطوات الأولى التي اتخذتها دمشق، بما في ذلك الإعلان الدستوري، وتشكيل الحكومة الانتقالية، ومؤتمر الحوار الوطني، مع ضرورة استكمال هذه العملية من خلال صياغة دستور دائم، وتنظيم انتخابات حرة خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، التعامل الحذر للاتحاد مع الملف السوري، حيث يشترط لأي دعم شامل إحراز تقدم ملموس في عدد من الملفات، أبرزها الانتقال السياسي وحماية الحريات، معالجة قضايا اللاجئين، ومكافحة الإرهاب، وتحديد موقف واضح من الحرب الروسية على أوكرانيا والعلاقة مع تركيا. 
 

أما فيما يخص إعادة الإعمار، وهي الملف الأثقل والأكثر تكلفة، فما يزال الاتحاد يربط انخراطه فيه بتحقيق اختراق سياسي واضح، وربما إعادة تقييم الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية. بوجه عام، يُظهر الاتحاد الأوروبي استعدادًا للتعاون مع سوريا الجديدة، لكنه ينتظر دلائل ملموسة على التزام بالإصلاح، قبل الانتقال إلى شراكة استراتيجية كاملة.

 

 

الوضع المحلي والاجتماعي: بين العنف والانتقال، تحديات أمنية وقانونية تواجه سوريا الجديدة

 
  • في أحد أكبر التحديات الأمنية بعد سقوط النظام السابق، دوّى انفجار في كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق مساء الأحد 22 حزيران/ يونيو 2025، أسفر عن وقوع 22 ضحية، وما يزيد عن 50 مصاباً، في رسالة صادمة بأن مرحلة ما بعد الأسد لن تكون هادئة. 
 

التفجير، الذي حمل بصمات تنظيم داعش وفقًا لوزارة الداخلية، استهدف بنية الدولة الجديدة ورسّخ الخوف من عودة العنف الطائفي. وجاء الهجوم لتقويض صورة الاستقرار التي بدأت تتشكل، وعرقلة الانتقال السياسي حيث تتقاطع الخيوط بين تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة التي تحاول استعادة الزخم والتجنيد، وإضعاف الحكومة في الداخل والخارج، وقوات سوريا الديمقراطية التي تضررت من تراجع دورها، وفلول النظام السابق ممن يرون في الفوضى فرصة للعودة أو الهروب من المحاسبة. 

 

ورغم سرعة الأجهزة الأمنية في كشف الجناة وإفشال هجوم آخر في مقام السيدة زينب، كشفت الحادثة وتبعاتها عن هشاشة أمنية واجتماعية تتطلب سلسة من الإجراءات التي تتجاوز تعزيز حماية دور العبادة إلى خطاب سياسي موحد يعزز الثقة، وسياسات أمنية شاملة تردع التهديدات قبل وقوعها.

 

 

  • يتابع الشارع السوري باهتمام أعمال “اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب”، والتي تُعدّ أول برلمان في مرحلة ما بعد الأسد، في مساع حثيثة لاجتناب نموذج المجلس السابق. ونظرًا لغياب البنى التحتية والإحصاءات الدقيقة وتهجير الناخبين، تعتمد اللجنة نظامًا مؤقتًا غير مباشر حيث يُنتخب 100 عضو (ثلثا المجلس) عبر هيئات ناخبة محلية (70% كفاءات، 30% أعيان)، بينما يُعيَّن الثلث الباقي من قبل الرئيس لضمان التوازن والكفاءة.
 
 

أطلقت اللجنة جولات ميدانية لتشكيل لجانها الفرعية وطلبت دعمًا قانونيًا من نقابة المحامين، وأكدت سعيها لإجراء الانتخابات في كافة المحافظات -بما فيها مناطق “قسد”- أو عبر ممثلين محليين، مشيرة إلى شروط الترشح الأساسية (السن، وحسن السيرة، وعدم وجود أحكام مخلة)، غير أن التحديات الجوهرية تهدد نزاهة العملية وشمولها كتعذر عملية الانتخاب المباشر بسبب التهجير وانهيار البنى التحتية بالإضافة للانقسام الجغرافي، مما يضع العملية برمتها تحت سيطرة اللجنة العليا، حيث يُحذّر المحللون من تحوّل الانتخابات إلى إجراء شكلي ما لم تُعالج هذا الخلل عبر إصلاحات عاجلة تضمن تمثيلًا عادلًا، وتكافؤ فرص، وإشرافًا نزيهًا ليكون المجلس الجديد لائقًا بمرحلة التأسيس الحساسة.

 

 

  • سجلت المرحلة الانتقالية منعطفًا بارزًا على صعيد العدالة بمداهمة أمنية أفضت إلى إلقاء القبض على وسيم بديع الأسد ابن عم الرئيس المخلوع بشار الأسد. الإعلان الرسمي عن توقيف أحد أفراد عائلة الأسد للمرة الأولى أحدث دويًا في الداخل السوري، حيث استقبله المواطنون ونشطاء الثورة بترحيب كبير باعتباره نجاحًا للحملة الأمنية ضد بقايا رموز النظام السابق. 
 

ويُعدّ وسيم الأسد شخصية مشهورة بسوء السمعة؛ فهو من أبرز المتهمين بتزعم شبكات تجارة المخدرات (وخاصة الكبتاغون) في ظل النظام السابق، فضلاً عن تورطه في تشكيل وتمويل مليشيات موالية شاركت في قمع الانتفاضة الشعبية. ومن هنا فإن اعتقاله يُعتبر خطوة غير مسبوقة تطال الدائرة الضيقة لعائلة الأسد وأحيت آمالًا ببدء ملاحقة وجوه الفساد والانتهاك وكشف خفايا شبكات الجريمة المنظمة. مع ذلك، حذر حقوقيون من أن الاعتقال لا يكفي ما لم يُحاكم وسيم الأسد علنًا، وتُكشف اعترافاته، ويُواجَه بضحاياه. وقد أعاد اعتقاله إلى الواجهة مطلب العدالة الانتقالية لتفكيك إرث النظام السابق، وإنصاف الضحايا.

 

 

الوضع الأمني: تداعيات الصراع الإيراني الإسرائيلي وتفجير مار إلياس

 
  • كشفت المواجهة الإسرائيلية الإيرانية وما رافق ذلك من أحداث كتفجير مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق الهشاشة الأمنية في سوريا، وسط تهديدات بتحويل أراضيها إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية. فمن جهة حاولت إيران مسبقاً استغلال الأوضاع الانتقالية لتعزيز نشاطها عبر تجنيد مقاتلين في الجنوب وتكثيف هجماتها حتى غير الفعالة منها ضد إسرائيل، مستفيدةً من تقلّب الصراع. ومن جهة أخرى، كشفت الحرب عن مفارقة أمنية خطيرة: فسوريا اليوم، بقدراتها الدفاعية الجوية المدمرة بعد سقوط الأسد، تسمح لإسرائيل بانتهاك سيادتها الجوية بشكل كامل. هذه الديناميكيات تفرض على سوريا دروسًا مصيرية:
 
  1. الحاجة الملحّة لبناء عقيدة دفاعية أمنية جديدة تواكب التغيرات الإقليمية وتطورات الحروب الحديثة.
  2. ضرورة العقيدة القتالية بمشروع سياسي وطني يوحّد القيادة العسكرية والأهداف الاستراتيجية للدولة.
  3. الاستعداد لمواجهة النزاعات المستقبلية عبر تحويل الجيش إلى قوة رادعة قائمة على الكفاءة التكنولوجية والاستخباراتية، بعيدًا عن النمط التقليدي.
 
 
  • استهدف هجوم كنيسة مار إلياس تعميقَ الفوضى في سوريا سواء نُفّذَ من قبل تنظيم الدولة (داعش) أو تنظيمات متطرفة أخرى كسرايا “أنصار السنة” الذي تبنّى العملية لاحقًا، وذلك انسجامًا مع خطابها المشترك لاستغلال الأزمات الإقليمية. ونظرتها للحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع  كـ “عدو رئيسي”، ما يجعل استهداف دور العبادة أداة لتحقيق أهداف متداخلة، أبرزها: 
  1. تقويض استقرار الحكومة: من خلال تصويرها قوة عاجزة عن حماية الأمن، مما يخلق ارتباكاً داخلياً ودولياً. 
  2. تدمير التعايش المجتمعي: عبر استهداف الأقليات (دروز، علويين، أكراد)، وفتح الباب لتدخلات خارجية. 
  3. إضعاف الاقتصاد: بهزّ ثقة المستثمرين، وإبقاء البيئة مناسبة لتجنيد العناصر.
  4. إثبات بقاء التنظيمات المتطرفة. 
 

وتقاطع أهداف هذه الجماعات مع أجندات إقليمية (كإيران) الراغبة في بث الفوضى لابتزاز المجتمع الدولي، تواصل الحكومة السورية جهودها الحثيثة لتحقيق الاستقرار، وحماية التعايش، وبناء اقتصاد آمن، والتأكيد على مشروع الدولة الجامعة لكل المكونات رغم تحديات مواجهة هذه “الذئاب المنفردة”.

 

 

التدخل الإسرائيلي:

 
  • في تطور دبلوماسي لافت، كشف الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال لقائه بوجهاء محافظة القنيطرة والجولان في 25 يونيو/ حزيران، عن وجود مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء دوليين، هذا التصريح جاء متزامنًا مع حديث مسؤولين من الجانب الإسرائيلي عن اتصالات مباشرة “على جميع المستويات” مع دمشق، واحتمالية دخول سوريا في اتفاقات تطبيع مشابهة لاتفاقات “أبراهام”، بشرط قبولها بقاء الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، وهو ما أكده وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، واصفًا ذلك بـ”الشرط الإيجابي”.
 

مع ذلك، تواجه هذه المساعي عراقيل جوهرية، أبرزها استمرار التمدد العسكري الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، وتمسّك إسرائيل بشروط تفاوضية صارمة، تشمل: عدم التراجع عن مواقع ما بعد سقوط النظام السابق، فرض قيود على تسليح الجيش السوري، إبعاد النفوذ الفلسطيني، وصياغة اتفاق أمني جديد. بناءً على هذه المعطيات، يبدو أن المسار التفاوضي يُدار ضمن معادلة غير متوازنة، تسعى فيها إسرائيل لتحويل المكاسب الميدانية إلى مشروعية سياسية، دون تنازلات ملموسة.

 

 

النفوذ الأجنبي: حلب تعود لدمشق.. وموسكو تبحث عن موطئ قدم

 
  • تسعى الدبلوماسية الروسية جاهدةً لاستعادة نفوذها في سوريا عبر بوابة العلاقات الثنائية، حيث أعرب نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف (على هامش منتدى سانت بطرسبرغ) عن أمل موسكو بقبول وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني دعوةً رسمية لزيارة قريبة، يُناقش خلالها مجمل الملفات العسكرية والسياسية والاقتصادية، ويأتي هذا التحرك في سياق تأكيد الكرملين المتكرر على ضرورة التعامل مع “السلطة الفعلية” في دمشق لضمان المصالح الاستراتيجية الروسية.
 
 

تكشف هذه المساعي عن ازدواجية في الموقف الروسي: فمن جهة، تُبرر موسكو انفتاحها على الحكومة الانتقالية (بما في ذلك تبريرها للتواصل الأمريكي مع الرئيس الشرع) بضرورة تحقيق “السلام والاستقرار” ووحدة سوريا. لكنّها من جهة أخرى تواجه تحديات في ترجمة الخطاب السياسي إلى تفاهمات عملية، كما تُظهره الدعوى القضائية التي رفعتها شركة روسية ضد المصرف المركزي السوري حول ملفات مالية حسّاسة (كديون الحقبة السابقة)، ما يُشير إلى استخدام موسكو أدوات ضغط مالية لتعويض تراجع أدواتها العسكرية بعد تقلص وجودها، بينما تُحاول دمشق بدعم غربي متصاعد إعادة تعريف علاقاتها مع موسكو على أسس جديدة تُقلص من هيمنتها التقليدية.

 

 

  • في خطوة مفصلية لإعادة توحيد بنية الدولة السورية بعد سقوط الأسد، تسلمت محافظة حلب إدارة شمال محافظة حلب بالكامل، بموجب اتفاق مع تركيا أنهى دور المستشارين الأتراك، ودمج الوحدات الإدارية في مدن إعزاز والباب وجرابلس والراعي ضمن الهيكل الإداري لمحافظة حلب. 
 

الاتفاق أنهى دور “المنسق التركي” المعروف أيضًا بـ “الوالي التركي”، ويُعد هذا التحول خطوة أولى نحو إنهاء تعددية المرجعيات الإدارية في شمال سوريا، ويعكس بداية انتقال تدريجي من الإدارة التركية المباشرة إلى إدارة سورية موحدة ويحمل أبعاداً سياسية تتجاوز تنظيم البلديات أو تحسين الخدمات، إذ يعكس انتقالاً تدريجيًا من النفوذ التركي المباشر إلى شراكة مؤسساتية مع دمشق، في سياق إعادة ترسيم النفوذ الإقليمي شمال سوريا.

 

 

السويداء: عودة رمزية للدولة وسط فوضى السلاح

 
  • تُشكّل عودة محافظ السويداء، مصطفى البكور، إلى منصبه بعد شهر من استقالته تطورًا قد يبدو لافتًا في مسار استعادة الدولة لزمام المبادرة في محافظة تشهد توترًا أمنيًا متصاعدًا. البكور، الذي سبق أن تعرّض لاحتجاز من قبل مجموعة مسلّحة داخل مبنى المحافظة،  قدّم استقالته إلى الرئيس أحمد الشرع في سياق محاولات لاحتواء الانفلات، إلا أن تزايد الضغط الشعبي عكس الحاجة إلى مرجعية إدارية قادرة على التفاعل مع الواقع الميداني المعقد.
 

زيارة البكور، ولقاؤه بعدد من المرجع الدينية، مثّلت رسالة مزدوجة: تأكيد رمزي على استعادة حضور الدولة، ومحاولة إعادة ربط المحافظة بالمؤسسات الوطنية. غير أن ذلك لا يخفي هشاشة الواقع الأمني، إذ ما تزال مجموعات محلية تتولى إدارة الحواجز، فيما سجلت السويداء 12 جريمة قتل خلال أقل من 3 أسابيع، في مؤشر على تصاعد فوضى السلاح وتفكك السلطة الأمنية بعد انسحاب قوات النظام وسقوط البنية العسكرية القديمة. 

 

 

ويعكس الرهان على عودة البكور اختبارًا أوسع لجدوى مسار التهدئة من داخل الدولة، لا من خارجها، لكنها لن تكون كافية ما لم تُستكمل بخطة شاملة تنهي التعددية المسلحة وتعيد ضبط الحياة العامة، قبل أن يتعمّق الانهيار الأمني في واحدة من أكثر المناطق حساسية في سوريا.

 

 

الوضع الاقتصادي: الاقتصاد السوري بين الصدمات والفرص

 
  • ألقى التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل بظلاله على الاقتصاد السوري، فبعد سنوات من الحرب التي أنهكت بنيتها الاقتصادية، تلقى الاقتصاد السوري ضربات موجعة عبر 3 قنوات رئيسية:

  صدمة أسعار الطاقة: ارتفاع النفط العالمي ورفع أسعار المازوت والبنزين محليًا.

  شلّ حركة النقل الجوي: إغلاق الأجواء أوقف رحلات الطيران التجاري والإنساني، فعطّل حركة المستثمرين.

قرب سوريا من بؤرة الصراع جعلها “منطقة حمراء” في خرائط المخاطر، فجمد المستثمرون مشاريعهم وكذلك الصناديق الدولية.

أيضاً التداعيات الاستراتيجية كانت أقسى: تحوُّل أولويات المجتمع الدولي نحو إدارة الأزمات الكبرى أفقد سوريا زخماً في مسيرة الحصول على تمويل إعادة الإعمار.

 

  1. أقرّت الحكومة السورية زيادة كبيرة على رواتب العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، حيث بلغ الحد الأدنى للأجور 750 ألف ليرة سورية، (نحو 80 دولارًا شهريًا)، ورغم أهمية الزيادة إلا أن فعليتها تظلّ رهناً بمعالجة إشكاليات هيكلية تُهدد قيمتها الحقيقية. فالزيادة الاسمية ما تزال دون خط الفقر العالمي (90 دولاراً)، وتواجه تحديات جوهرية: كاستقرار سعر الصرف، وضرورة ضبط الأسواق وحماية المستهلك وإصلاح الضرائب، وأخيراً إلزام الشركات الخاصة بتطبيق زيادات موازية. ولو نُفذت هذه الضوابط فمن المحتمل أن تتحول الزيادة إلى محرك للاستهلاك والإنتاج دون إشعال التضخم، لكن إغفال أي بند منها سيحولها إلى قفزة في الفراغ.
 
  • تحمل المنحة المجانية من إدارة البنك الدولي لأول لتمويل مشروع إصلاح البنية التحتية للكهرباء السورية بقيمة 146 مليون دولار دلالة استراتيجية مزدوجة:
  1. كسر العزلة المالية: كونها أول تعاون مع البنك منذ ثمانينيات القرن الماضي.
  2. اختبار جديّ لمصداقية الإصلاح: حيث ربط برنية المنحة بـ “قيام الحكومة بمسؤولياتها” شرطاً للحصول على دعم إضافي.

من ناحية أخرى، فإن المشروع الطارئ يمثل الخطوة الأولى ضمن خطة أوسع لدعم مسيرة سوريا نحو التعافي، ويشكل هذا التمويل نافذة فرص حاسمة لدمج سوريا مجدداً في شبكة التمويل الدولي، خاصة في قطاع الطاقة الحيوي الذي يعاني تدهوراً بنسبة 60% من طاقته الإنتاجية منذ 2011.

أحدث الصوتيات

مساحة مفتوحة للأقلام الشابة والعقول المبدعة، من مختلف الاهتمامات والانتماءات والبلدان.