مدونات
للكاتب: عبدالله معروف
من جباليا إلى الشجاعية، وذهبت إلى الضفة الغربية في ظروف غامضة، وتنقّلت في قطاع غزة من يد إلى يد. هكذا قال حنيني في بدايات العمل الجهادي أوائل التسعينيات. بندقية واحدة تنتقل بين المجموعات، وتُثخن في الصهاينة أكثر مما فعلته ترسانة العرب مجتمعة.
بعدها بسنوات، كانت غزة تقذف حِممًا، وتطير في السماء أسماء القادة الشهداء، صواريخ تقض مضجع الغريب الذي أتى من شتات الأرض، وفي ظنه أن هذه هي أرض المن والسلوى. بدلًا من ذلك، كان الرصاص والبلوى هو ما ينتظرهم.
نضال فرحات الذي بدأ خط التصنيع لكتائب عز الدين القسام، مع كثير من القادة الذين قضوا في هذا الطريق. طريق العز، الذي لا يكون إلا بسلاح يحمله ساعد مؤمن، ويقف على أرضه.
رحلة التصنيع أطول من أن يُوجزها مقال، أو تصفها كلمات، أو تحكي عنها مشاعر. كيف تصف ذلك الشاب الذي يذهب صباحًا من بيته بأربعة أطراف، ويعود في آخر النهار وقد فقد أحدهم؟ وماذا عن المئات الذين قضوا في حفر نفق، أو تجربة صاروخ، أو تصنيع بندقية؟ وأولئك الذين تغرّبوا لسنوات بأسماء أخرى، وشخصيات غيرهم، ليتعلموا صناعة العز في زمن الإذلال؟
هذه الرحلة مليئة بالعرق، والشهداء، والدم، وأشلاء الرجال الذين نحتوا في جبين هذا الزمان نماذج من نور، يقف المرء أمام صبرها وجَلَدِها عاجزًا مذهولًا. كيف لها أن تنتهي في غرفة مكيّفة، على طاولة باردة، وكرسيّ وثير؟!
“السلاح خط أحمر”، كل القيادات منذ بدء العمل الجهادي قالت هذه العبارة بشكل أو بآخر. كيف يُسلّم المرء شرفه؟ كيف ينزع الأسد مخالبه؟ كيف يضع المقاتل سلاحه؟ أنّى للرجل أن يتخلى عن رجولته؟
في خطابه الأول للجماهير بعد توليه رئاسة حماس، قال الرنتيسي: “الطريق الوحيد هو طريق الرشاش”، ورفع AK-47 بيده اليسرى وزأر في الجموع: “هذا هو الطريق!” أعادها ثلاثًا. هذه عقيدة القادة، والرعيل المؤسس للمقاومة، وهذا ميراثهم الذي يتركونه لمن خلفهم، ويضعه الخلف في أعينهم، وفي أعماق أفئدتهم. فكيف أنزع عيني وفؤادي؟
وما الذي فجّر الطوفان، وأحيا القضية التي بدأت تموت في قلوب كثير من الجيل؟ ما الذي أوقد النار في قلوب انطفأت فيها كل شرارة مقاومة؟ ما الذي أيقظ أمة من سبات تعيشه لسنوات، ودبّ في بعضها الحركة ولو على استحياء؟
وما الذي جنيناه طوال سنوات وسنوات من الصمت، والركون إلى الدنيا؟ عشرون شهرًا فعلت في النفوس ما لم تفعله عشرون سنة. العشرون اختلفت عن الأخرى بوجود السلاح فقط.
“لا يضيع حق خلفه مطالب”؛ هذه الجملة ناقصة، كيف تُطالب؟ ومن تُطالب؟ العشرون الثانية كانت بدون سلاح، فكيف كانت النتيجة؟ “لا يضيع حق خلفه مطالب بسلاحه”.


