مدونات

عودة بنكيران إلى قيادة العدالة والتنمية: استمرارية أم أزمة جديدة؟

أبريل 28, 2025

عودة بنكيران إلى قيادة العدالة والتنمية: استمرارية أم أزمة جديدة؟

للكاتب: عبد الرحمن حسنيوي


في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات والتحليلات وردود الفعل، فاز عبد الإله بنكيران بولاية رابعة على رأس حزب العدالة والتنمية في المؤتمر التاسع للحزب الذي انعقد في 26 و27 أبريل 2025 بمدينة بوزنيقة، حيث حصل على حوالي 70% من أصوات أعضاء الحزب، ليؤكد بذلك استمرارية زعامته وعودته القوية إلى صدارة المشهد السياسي المغربي. لكن هذا الفوز يحمل في طياته دلالات عميقة حول حالة الحزب والمناخ السياسي في المغرب، وهو ما يجعلنا نطرح الإشكالية التالية: ما دلالات عودة بنكيران إلى قيادة حزب العدالة والتنمية؟


أولًا، لا بد من الإشارة إلى أن الانتخابات الداخلية لحزب العدالة والتنمية قد جرت في أجواء من الديمقراطية الداخلية، حيث تمت العملية الانتخابية بدون فوضى أو شروخ واضحة في الحزب، فلم نشهد أي انشقاقات أو تجاذبات عنيفة بين المرشحين كما يحدث في مؤتمرات العديد من الأحزاب الوطنية، بل تم التنافس بشكل شفاف ومفتوح، وهو ما يعكس صحة الديمقراطية الداخلية في الحزب رغم الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يواجهها، كما أن هذا يؤكد على أن الحزب رغم كل الانتقادات الموجهة له، ما زال يحتفظ بقدر كبير من التنظيم والقدرة على ضبط الأوضاع داخليًا.


ثانيًا، عودة بنكيران إلى قيادة الحزب تمثل استمرارًا لشعبية قوية بين قواعد الحزب، فهو يظل الزعيم الذي يثق فيه الكثيرون من أتباعه كمنقذ للحزب وخصوصًا الشباب، لأن الحزب في اعتقادهم يحتاج إلى شخص يقود المرحلة المقبلة بتجربة سياسية عميقة، رغم أن مواقفه السياسية قد تكون محل جدل أو نقد…، لكن شعبيته لا تأتي فقط من سياساته السابقة، بل من قدرته على استثمار الأزمات لصالحه، خصوصًا قضية “التطبيع” و”مدونة الأسرة”…، كما أنه استغل الرغبة العميقة لدى العديد من أتباعه في الاستمرارية بدل المغامرة بتغيير القيادة.


ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن الانتخابات الأخيرة لم تركز على البرامج أو الرؤى السياسية، بل على الأفراد أنفسهم “الكاريزما”، فالانتخابات كانت حول بنكيران كـ”شخص” أكثر منها حول استراتيجيات أو أفكار جديدة، وهذا يعكس أزمة أعمق في السياسة المغربية، حيث يلاحظ الكثير من المراقبين غياب النقاش الجاد حول السياسات والتحديات المستقبلية التي تواجه البلاد. هذه الظاهرة ليست محصورة في العدالة والتنمية فقط، بل هي حالة عامة لدى الأحزاب السياسية المغربية، التي تبدو أنها لا تولي اهتمامًا كافيًا لصياغة برامج سياسية منطقية وعميقة تحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للشعب المغربي.


أما فيما يخص الطابع المحافظ لحزب العدالة والتنمية، فإنه من الواضح أن الكثير من القواعد الشابة قد صوتت لبنكيران ليس لأنهم يرون فيه قائدًا جديدًا يحمل رؤية مبتكرة، بل خوفًا على مستقبل الحزب نفسه. إنه “تصويت عاطفي” أكثر من كونه “تصويتًا عقلانيًا”، وهو ما يعكس نوعًا من الجمود الفكري في الحزب، حيث الغلبة للعاطفة والتقاليد السياسية بدل البحث عن أفكار جديدة وبرامج إصلاحية تقدم إجابات واضحة للمشاكل والتحديات التي تواجه المغرب في الحاضر والمستقبل.

ومما يزيد الطين بلة هو استمرار الحزب في معاناته المالية، حيث اضطر بنكيران إلى اللجوء إلى جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن امتنعت الدولة عن تقديم الدعم المالي للحزب، الأمر الذي يوضح حالة من التهميش السياسي الذي يعاني منه الحزب.


في الختام، إن عودة بنكيران إلى قيادة حزب العدالة والتنمية تعني بشكل أساسي أن الحزب سيظل يركب الموجة ذاتها، متمسكًا بالأسلوب البراغماتي الذي اعتمده طيلة السنوات الماضية. ومن غير المرجح أن يشهد الحزب تحولًا جذريًا في سياساته أو في نظرته للمستقبل، فبنكيران قد ينجح في الحفاظ على استقرار الحزب في المدى القصير، ولكن من الصعب رؤية أفق جديد أو حل جذري للأزمات التي يعاني منها، خاصة في ظل غياب نقاش جاد حول الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يحتاجها المغرب في ظل التحولات الراهنة التي يشهدها النظام الدولي.

 

شارك

مقالات ذات صلة