مدونات

إلى متى ستستمر البلطجة الترامبية في تهديد شعوب المنطقة؟

مارس 7, 2025

إلى متى ستستمر البلطجة الترامبية في تهديد شعوب المنطقة؟

للكاتب: ظاهر صالح

 

يبدو أن الغطرسة والغرور والإحساس بالعظمة والثقة الزائدة بالنفس لدى الإدارة الأمريكية، تفسر حالة الهذيان والتخبّط التي جعلت الرئيس ترامب يتجاوز الثوابت التقليدية والأعراف الدبلوماسية، من خلال خطاب البلطجة الذي يعكس جهلاً عميقًا بالقضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها، وقد تجلى ذلك في تهديداته المباشرة ضد المقاومة الفلسطينية، ومطالبته بإطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين لدى كتائب القسام فورًا، وإلاّ فإن “النتائج ستكون كارثية” على حد قوله.


جاءت تصريحات ترامب في سياق خطابه الحاد الذي نشره على منصته، حيث وصف المقاومة بأنها “مريضة وملتوية” واتهمها بالاحتفاظ بجثث قتلى الاحتلال “الإسرائيلي” في محاولة للضغط على الاحتلال سياسيًا وعسكريًا، متجاهلًا عدد الجثامين المحتجزة الموثقة لدى الاحتلال والتي تصل إلى أكثر من 665 شهيدًا، موزعة بين “مقابر الأرقام” و”ثلاجات الاحتلال”، بينهم شهداء محتجزون منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. لم يكن حديث ترامب مفاجئًا بالنظر إلى مواقفه السابقة الداعمة والمنحازة للكيان، فهو أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين دعمًا لمشروع الاحتلال، بدءًا من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، مرورًا بإعلانه صفقة القرن التي سعت إلى تصفية القضية الفلسطينية، وانتهاءً بتمرير اتفاقيات التطبيع التي فتحت الباب أمام اندماج الاحتلال في المنطقة العربية.


ومع ذلك، فإن نبرته الأخيرة تجاه المقاومة حملت أبعادًا أكثر خطورة، حيث لم يكتفِ بالتحريض، بل تعهد بإرسال كل ما تحتاجه “إسرائيل” لإتمام المهمة، في إشارة واضحة إلى تقديم دعم عسكري غير محدود لمواصلة العدوان على غزة. تصريحات ترامب الأخيرة لا تعكس فقط موقفًا داعمًا للاحتلال، بل تُظهر تبنيه الكامل للرواية “الإسرائيلية” حول العدوان الوحشي على غزة وملف الأسرى. فهو يكرر الخطاب “الإسرائيلي” الذي يصور المقاومة على أنها “إرهابية”، ويتجاهل حقيقة أن الاحتلال نفسه يمارس أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك احتجاز آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجونه، وبعضهم محتجزون دون محاكمة في ظروف لا إنسانية. كما يتجاهل ترامب أن “إسرائيل” نفسها هي المحتل وهي التي بدأت الحرب ضد غزة، وأن ما يحدث هو رد طبيعي من المقاومة في إطار الدفاع المشروع عن النفس. بالإضافة إلى ذلك، حملت تصريحات ترامب تهديدًا واضحًا ليس فقط للمقاومة، بل لأهالي غزة، حيث أشار إلى أن مستقبلهم سيكون جميلاً إذا ما أطلقوا سراح الأسرى، وإلا فإنهم سيواجهون “الجحيم” في المستقبل!


لا تخرج هذه اللغة عن الإطار العام للسياسة “الإسرائيلية” القائمة على التهديد الجماعي للفلسطينيين بهدف معاقبتهم والضغط عليهم للتخلي عن المقاومة، وهو ما يتعارض بشكل صريح مع القوانين الدولية التي تجرم العقوبات الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، يفرض ترامب رؤيته وقراراته، ويتبع نهجًا أحاديًا في حل الأزمات ورسم حاضر الشعوب ومستقبلها، وهو نهج يتسم بالبلطجة ويعتمد على التفوق العسكري والاقتصادي والتكنولوجي لبلاده، متجاهلًا القيم الإنسانية العادلة القائمة على احترام الآخر.


وعلى الرغم من التهديدات المتكررة من قادة الاحتلال وداعميهم، وعلى رأسهم ترامب، فإن المقاومة الفلسطينية ما زالت صامدة في مواجهة العدوان “الإسرائيلي”. وفي هذا السياق، أكد الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، أن المقاومة التزمت ببنود اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، على الرغم من محاولات الاحتلال المستمرة للمراوغة والتنصل من التزاماته. وأوضح “أن المقاومة احترمت الاتفاق حقنًا لدماء الشعب، والتزامًا بتعهدات الوسطاء من الأشقاء”، مشيرًا إلى أن العدو مارس التسويف والبلطجة والتنصل من التزاماته، التي تُعد حقوقًا أساسية للشعب الفلسطيني، وأضاف أن قيادة الاحتلال تحاول التهرب من تنفيذ الاتفاق، بدافع المصلحة الحزبية لرئيس حكومته، على حساب حياة الأسرى “الإسرائيليين”، لافتًا إلى أن الاحتلال يستمر في سياساته العدوانية في غزة ولبنان وسوريا والمنطقة بأكملها، وأشار أبو عبيدة إلى أن العالم شاهد الجرائم الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين، الذين يروون شهادات مروعة عن المعاملة.


في مقابل الوحشية التي يتعرض لها الفلسطينيون، أظهرت المقاومة حرصًا على معاملة الأسرى الإسرائيليين وفقًا للقيم الإسلامية، على الرغم من صعوبة الحفاظ على حياتهم وسط الحرب الهمجية، وأكد المتحدث أن الاحتلال لن يحقق أهدافه بالتهديدات والحيل بعد عجزه عن تحقيقها بالحرب، مشددًا على أن إلزام الاحتلال بتنفيذ الاتفاق هو أقصر الطرق لتحقيق السلام في المنطقة، ومحذرًا في الوقت نفسه من أن أي تصعيد ضد المدنيين الفلسطينيين قد يؤدي إلى مقتل بعض أسرى العدو. ووجه رسالة للأمة الإسلامية، قائلاً: “لن تنهض هذه الأمة، ولن يكون لها شأن بين الأمم، حتى تطهر هذه الأرض المقدسة من دنس المحتلين”. ودعا الشعوب العربية والإسلامية إلى التحرك لنصرة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض يوميًا للإبادة والتجويع ومحاولات التهجير على مرأى ومسمع من العالم.


لقد أثبتت المقاومة خلال الأشهر الماضية أنها قادرة على التصدي للعدوان رغم التفوق العسكري “الإسرائيلي” والدعم الأمريكي غير المشروط. وعلى الرغم من محاولات الاحتلال لتركيع غزة بالقوة، إلا أن صمود المقاتلين في الميدان، واستمرار العمليات النوعية ضد قوات الاحتلال، والقدرة على التفاوض بشروط قوية، جعلت “إسرائيل” غير قادرة على تحقيق أهدافها العسكرية أو السياسية. وواهم من يعتقد أن الشعب الفلسطيني سيتخلى عن وطنه، وعن خيار مقاومة الاحتلال الغاصب، فقد أصبح أكثر تصميمًا وإصرارًا على مواجهة المؤامرات. فلتنهض الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم وتقف في وجه الظلم، ومشاريع التآمر والبلطجة الترامبية، التي تستهدف جميع شعوب المنطقة وتُنبئ بتهديدات خطيرة.

شارك

مقالات ذات صلة