مدونات

مسلسل “معاوية ” وثلاث سنوات من الجدل.. تمخض الجبل فولد فأرا!

مارس 5, 2025

مسلسل “معاوية ” وثلاث سنوات من الجدل.. تمخض الجبل فولد فأرا!

للكاتب: عادل العوفي


بعد تخبّط دام لثلاث سنوات، أنهت شبكة “إم بي سي” حالة التردّد وأقدمت على خطوة عرض مسلسلها الضخم إنتاجيًا “معاوية”، متحدّيةً كل الأطراف المندّدة بالعمل والمحذّرة من مغبّة عواقب رؤيته على الشاشة في الشهر الفضيل. لا أزعم أنني أقرأ الطالع، ولكن قلمي المتواضع خطّ قبل ثلاث سنوات، بالتفصيل الممل، أنّ المسلسل معدّ لغرض “المناكفات” والبحث عن “الترند”، لا أقل ولا أكثر. وشخصية بحساسية “معاوية” مغرية للمحطّة قصد إثارة الجدل، بعيدًا عن النقاش الجادّ المعمّق حولها، أو حول الحقبة الزمنية التي عاشتها. والغاية هي رصد كل الخطوط الساخنة في حياة الرجل وتسطيحها خدمةً للهدف الأسمى والمنشود، وهو احتلال “الترند” طوال أيّام رمضان.


المكتوب يُقرأ من عنوانه:
نعم، وكأنّ الوطن العربي برمّته أضحى “عاقرًا” ولا يُنجب كتّابًا متخصّصين في الدراما التاريخية، كي تلجأ الشبكة السعودية الكبيرة إلى الصحفي المصري خالد صلاح، الذي يفتقر لأيّة تجربة سابقة في كتابة السيناريو، وتُسند إليه مهمّة جبّارة بهذا الحجم. وكلّنا يعي جيّدًا أنّ هذه النوعية من النصوص تستوجب الحصول على تراخيص شرعية، ويطّلع عليها نخبة متخصّصة من العلماء. والدليل على ذلك ما عشناه أثناء إنتاج شبكة “إم بي سي”، بالاشتراك مع تلفزيون قطر، للعمل الضخم “عمر” من تأليف الدكتور وليد سيف وإخراج المبدع الراحل حاتم علي. ورغم الإرث الهائل الذي يحمله الاثنان في هذا المضمار، فقد راجعت النص هيئة متخصّصة من كبار الشيوخ والعلماء، قبل أن يتم الترخيص النهائي له.

وبالمناسبة، يُعدّ “عمر” آخر الإنتاجات العربية التاريخية الجديرة بالتقدير والثناء، وأكثرها حرفية في كل شيء. وبرحيل حاتم علي، تيتّمت الدراما التاريخية، وكلّنا حسرة على عدم استكمال مشروعه الأندلسي بالجزء الأخير المرتبط بسقوط غرناطة، والذي أنهى الدكتور وليد سيف كتابته قبل فترة وجيزة. استبشرنا خيرًا بإمكانية إنتاجه، لكنّ ذلك لم يحدث حتى اللحظة. وهنا نتساءل: لماذا لا تتبنى شبكة “إم بي سي” المشروع، طالما عادت للاهتمام بالمسلسلات التاريخية، بل وصرفت ميزانية فاقت 75 مليون دولار على مسلسل “معاوية”؟ إذا كان الهدف الحقيقي حقًا هو العودة للنهل من ينابيع التاريخ، أليس الأجدر بهم استكمال مشروع ناجح مرتقب في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج؟


أزمات متعددة ومسلسل مهلهل:
بدأ المخرج المصري طارق العريان تصوير مسلسل “معاوية”، قبل أن يعتذر عن استكماله فجأة، لتُسلَّم دفّته للمخرج أحمد مدحت. وظهر هذا الارتباك جليًا منذ عرض الحلقة الأولى، حيث اختفت مشاهد صوّرها الأول، مثل معركة بدر، قبل أن يوضّح الثاني أنّ العريان هو من طلب حذف اسمه من شارة المسلسل أساسًا.

المؤكّد أنّ المسلسل، الذي استغرق تصويره في تونس فترة طويلة من الزمن، واستقطب ثلة من الفنانين المميّزين، على غرار أيمن زيدان، وإياد نصار، وسامر المصري، ولجين إسماعيل، ووائل شرف، وميسون أبو أسعد، وعلي صطوف، وسعد مينة، وغانم الزرلي، وكلها أسماء لها باع طويل في مضمار الدراما التاريخية، لم يشفع له ذلك، إذ بدت أحداثه مفككة، وحواراته كارثية باللغة العربية الفصحى. حتى شخصية هند بنت عتبة التاريخية، التي أبهرتنا بها القديرة منى واصف في فيلم “الرسالة” الشهير للراحل مصطفى العقاد، وأيضًا حين جسّدتها الراحلة مي سكاف في مسلسل “عمر”، أظهرها هذا المسلسل في ثوب مغاير كليًا، وبدت الممثلة سهير بن عمارة عاجزة عن مسايرة حدّتها قبل دخولها الإسلام. وهنا نتساءل عن إدارة الممثّل: كيف ظهرت كل هذه العيوب في أداء ممثلين مشهود لهم بالكفاءة والموهبة؟ من يتحمّل مسؤولية هذا التخبط؟


إثارة السوشال ميديا:
يمكن اختصار المسعى الرئيسي وراء إنتاج هذا المسلسل الضعيف فنيًا، في غياب نص واضح ومتمكّن، بأنّ الغاية المثلى هي الشدّ والجذب الذي ستعرفه مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا ما نجحت “إم بي سي” في الحصول عليه، وهي صاحبة التجربة في هذا المضمار. والدليل أنها ما زالت تصرّ منذ سنوات طويلة على إنتاج نسخ جديدة من برامج رامز جلال، على سبيل المثال. فبالرغم من السيل الجارف من الانتقادات، فإنّها تحتلّ صدارة “الترند”، وهذا يكفي ويزيد. ولكن السؤال المطروح: هل انتهى عصر كُتّاب الدراما التاريخية المحترفين، مثل ممدوح عدوان، وهاني السعدي، وجمال أبو حمدان، والدكتور وليد سيف؟ أين الأجيال الجديدة؟ ومن سيمنح الموهوبين الفرصة لاستكمال هذا الطريق الوعر؟ أم أنّ المحطّات العربية لم تَعُد تُبالي بإنتاج نسخ جادّة، وتفضّل تسخيف وتقزيم هذه الدراما بحجج واهية؟ إنه زمن “الترند” الذي لا يُبقي ولا يذر!

شارك

مقالات ذات صلة