مدونات

بين النضال والمنفى: كيف أضاءت ليلى سويف طريقي؟

مارس 2, 2025

بين النضال والمنفى: كيف أضاءت ليلى سويف طريقي؟

للكاتبة: نهى عبير


ليلى سويف، الأم الملهمة، تزامن بداية اضطراب الدكتورة الجامعية ليلى سويف مع مروري بمخاطر أمنية في بلدي، مرورًا بنزوحي وتدهور حالتي النفسية والجسدية. ومع متابعتي اليومية لأخبارها والاطمئنان على حالتها الصحية، وجدت في صمودها الأمل الذي يلهمني لأصبر وأناضل كل يوم وأتمسك بالحياة ومعناها.

تلك السيدة العظيمة التي علمتنا الصبر والتحمل، والتي اختارت طريقة من النضال السلمي (الإضراب عن الطعام) ليشهد العالم على قوتها وصبرها وصمودها حتى الآن لأكثر من 150 يومًا، دفاعًا عن حق ابنها علاء عبد الفتاح في حريته، بعد أن استمر النظام المصري في احتجازه رغم قضائه فترة حكمه كاملة. قدمت ليلى مثالًا للفداء بوضع حياتها على المحك لإنقاذ حرية ابنها، وقدمت لي وللإنسانية مثالًا سنظل نذكره، ففي ظل تخاذل القيادات والحكومات نستطيع أن نحتج ونناضل، ولو لم يلتفت إلينا أحد، نستطيع أن نقدم ما بأيدينا تقديمه، حتى لو كان الامتناع عن الطعام يمثل صرختنا ووجودنا ومطالبتنا بحقنا في الحرية والحياة.


ولعلني استلهمت عزيمتي من ليلى لأبحث كل يوم عن معنى للحياة، وأوقن أن فني ونضالي هما سبب وجودي وليس سببًا لعقابي، ولو أني عوقبت عليهما فسيظل ذلك دافعًا لأتمسك بهما أكثر وأكثر، ولو أنه سُلب مني موطني وعائلتي فلن يُسلب صوتي وفني. إن الاحتجاج السلمي بالفن والشعر والاعتصام والإضراب هو حق، وليس كما صورته لنا السلطة المصرية بأنه امتياز يجب أن يسبقه إذن مسبق منها.

كنت قد سلكت طريق الاحتجاج السلمي بالفن، أرسم عن معاناة الأقليات والتعذيب والاضطهاد من قبل الشرطة، وأحاكي قصصًا واقعية بالفن، وأعبّر عن مشاعر المظلومين بلوحات فنية، وهو حق تكفله القوانين الدولية لحقوق الإنسان، لكن واجهته السلطة بالتحقيقات والاتهامات. وفي نوبة قلق جامحة، أحرقت العديد من رسوماتي ومدوناتي الشخصية في نار أفسدت المواسير، وبعد أن خمدت النار، اشتعلت نار الحزن والقهر في قلبي لفقدي أثمن ما أملك، وبعدها أخذت عهدًا على نفسي ألا أمزق ورقة رسمت عليها حتى لو لم تعجبني.

وفي المنفى، كانت الأوراق والألوان صديقي الوحيد والوفي، الذي يذكّرني بهويتي، ولم يتركني لحظة، فوجدت نفسي أتعلم أكثر وأكثر، فلم يردعني العقاب، بل زادني صلابة وإصرارًا، فالفن هو هويتي، ولو كان لعنتي في يوم، فأجد فيه مخرجًا من التفكير المفرط الذي يقودني إلى الاكتئاب والانطواء.


وفي يوم، جلست أتأمل، وفي يدي الأوراق والقلم، فرسمت ليلى وأنا أفكر في حالتها الصحية التي تتدهور يومًا بعد يوم، وصمودها، وأراها أيقونة وقدوة لي، فجسدت مشاعري في لوحة صغيرة بأدوات بسيطة لتكون صحبتي في المنفى والوحدة والنضال. واصطحبت تلك اللوحة في رحلتي، أضعها أمامي في كل غرفة أسكنها، لأستيقظ كل يوم على أمل، وتحفظني من نوبات الاكتئاب الحادة التي تنتابني باستمرار في هذه الفترة العصيبة. وكلما مررت بأزمة، أنظر إلى تلك السيدة الجليلة وأراها ما زالت صامدة، فأصمد وأصبر، وأتمنى أن يمنحني الله القليل من عزيمتها لأدافع عن حقي في الحياة وعن حريتي.

وفي ظل بطء الاستجابة لطلباتي في النجدة والنجاة، وسيْل التحقيقات والأسئلة الذي تطرحه كل مبادرة ومنظمة عليَّ حتى الآن، مما يعرقل محاولاتي للتعافي، أشعر باليأس في أوقات كثيرة، وتتملكني أفكار سلبية، لكن استمرار ليلى في المحاولة يوقظني، فكلما زادت حالتها تدهورًا، كلما زادت صلابة، ومنحتني أملًا في المقاومة. وأظل أستلهم صبري وتحمّلي من ليلى، وكلما رسمت لها لوحة، أضيف عزيمتها إلى عزيمتي القليلة، وأتأمل صورتها بالساعات، وأنا أتخيلها معافاة مجتمعة بعائلتها، وأتخيل نفسي سعيدة مجتمعة بعائلتي، فيدفعني صمود ليلى مرة أخرى لأظل أرسم لساعات طويلة دون التوقف للراحة أو للطعام.


ولعل احتجاج ليلى بإضرابها عن الطعام لم يفرج عن ابنها حتى الآن، ولم يتحرك المسؤولون للاستجابة لطلبها المشروع، لكن ذلك لن يفقدني الأمل في تغيير الوضع، وسيعلمني الإصرار. وما تبديه السلطة من تجاهل لوضع أم مسنة تجوع ليحيا ابنها بحريته، لن يرجعني عن المطالبة بحقي، لأن النتيجة ستكون التجاهل أو الاعتقال، بل سيجعلني أكثر صلابة وصمودًا وتمسكًا بحقي وحق الآخرين في الحياة.

دكتورة ليلى، سيُخلّد التاريخ نضالها وقوتها، وأنا على يقين أنها ألهمت الكثير، كما ألهمتني، ولعل الأجيال الحالية والقادمة ستتذكرها، وستتحدّى وتسلك طريقها للحرية، ولن يردعها تجاهل السلطة وقمعها.

شارك

مقالات ذات صلة