مدونات

الخطاب السياسي وتبرير الحرب على غزة: ازدواجية المفاهيم والمصطلحات

فبراير 14, 2025

الخطاب السياسي وتبرير الحرب على غزة: ازدواجية المفاهيم والمصطلحات

للكاتبة: شروق مستور

 

يعتمد الخطاب السياسي الغربي والإسرائيلي على ازدواجية المعايير في انتقاء المصطلحات وتوظيفها بما يخدم مصالحهم. فعند تناول القضية الفلسطينية، يُوصف النضال الفلسطيني بالإرهاب، في حين يُمنح الاحتلال الإسرائيلي غطاءً شرعيًا تحت مسمى الدفاع عن النفس. ويُستخدم الخطاب السياسي كأداة لتوجيه الرأي العام وتبرير العدوان الإسرائيلي. تدرك الأطراف الغربية أن الخطاب السياسي من أبرز الأدوات التي تستعين بها للتأثير على الرأي العام العالمي من ناحية، وتبرير كل سلوكياتها العنيفة من ناحية أخرى.

في ظل الأوضاع الحالية المضطربة في الشرق الأوسط بشكل عام، وغزة بشكل خاص، ومع تصاعد خطاب دونالد ترامب المتكرر تجاه غزة، يجدر بنا تحليل المفاهيم التي يستخدمها الغرب وإسرائيل لتبرير حربهم على غزة.

 

1. كثافة خطابات ترامب حول غزة

منذ تولي الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، السلطة، باتت خطاباته ونشاطه بشأن الشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية، محط أنظار. فقد أولى اهتمامًا كبيرًا بهذا الملف، وبرزت تصريحاته المستفزة وإجاباته في اللقاءات الصحفية، مما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط العربية والغربية.

بدايةً مع خطاب تنصيبه يوم 20 يناير، أشار إلى دوره في التوسط في اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، قائلاً:
يسعدني أن أبلغكم أنه اعتبارًا من يوم أمس، قبل يوم واحد من توليي منصبي، بدأ الرهائن في الشرق الأوسط يعودون إلى ديارهم وأهلهم وذويهم.”
وأضاف:
سيكون الإرث الأكثر فخرًا لي هو إرثي كصانع سلام وموحد. هذا ما أريد أن أكون عليه: صانع سلام وموحد.”

بينما يحاول ترامب الترويج لدوره كوسيط سلام، فإن الواقع مختلف؛ إذ تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية غير محدودة لإسرائيل، وتبرر عمليات القصف والإبادة في غزة. هنا، يختزل ترامب مفهوم الأمن والسلام في بقاء “إسرائيل”، وبالتالي، يقدم خطابًا تبريريًا لكل التحركات الإجرامية الإسرائيلية، معتبرًا أنه ما دامت الغاية واضحة، فكل الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف مشروعة. يُصنَّف النضال الفلسطيني كنشاط إرهابي، وهو تصنيف يُستغل لتبرير المجازر التي يكون معظم ضحاياها من الأطفال والنساء.

في تصريح آخر له خلال مؤتمر صحفي جمعه برئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قال ترامب:
يمكن أن ترى الولايات المتحدة تتخذ موقفًا طويل الأمد لغزة وتنقل سكانها إلى قطعة أرض جيدة وجديدة وجميلة في بلد آخر، وتطوّر الأراضي التي مزقتها الحرب.”

وعندما سُئل عن عدد الفلسطينيين الذين يجب نقلهم إلى خارج غزة، أجاب:
جميعهم.”

وعندما سألته كيلي أودونيل من شبكة “إن بي سي” عن الأساس القانوني لهذا الطرح، أجاب ترامب:
أنه يرى أن ملكية الولايات المتحدة طويلة الأجل لهذه المنطقة ستجلب استقرارًا كبيرًا للشرق الأوسط، وأكد أن جميع من تحدث معهم يؤيدون الفكرة، مشيرًا إلى أنها ستوفر آلاف الوظائف وستكون مشروعًا رائعًا في منطقة لم يتم استغلال إمكانياتها من قبل.”


هنا، يستخدم ترامب خطابًا مشحونًا بالتلاعب اللغوي لتبرير ما يمكن وصفه بعملية استيلاء غير شرعي على أرض محتلة بموجب القانون الدولي. عندما يتحدث عن “ملكية طويلة الأجل”، فهو يحاول تجنب استخدام مصطلحات مثل “احتلال” أو “الاستعمار”، على الرغم من أن المفهوم لا يختلف. تصريحه بأن “كل من تحدث إليهم يحب فكرة امتلاك الولايات المتحدة لهذه الأرض” هو محاولة لإضفاء شرعية على مشروع استيطاني غير قانوني، متجاهلًا إرادة الفلسطينيين، أصحاب الأرض الفعليين.

كما أن وصفه للخطوة بأنها “ستجلب استقرارًا للشرق الأوسط” هو جزء من الخطاب التقليدي الذي استخدمته القوى الاستعمارية سابقًا لتبرير احتلال الأراضي تحت ذريعة “نشر الاستقرار والتطوير”. في الوقت الذي يرفض فيه الشعب الفلسطيني التخلي عن أرضه، وترفض الدول العربية المجاورة المشاركة في هذه الجريمة، يبرز السؤال: من هم الذين تحدث معهم ترامب؟


2. إشكالية مفهوم الإرهاب وتوظيفه السياسي

مفهوم الإرهاب بمعناه الواسع يشمل جميع التحركات والنشاطات التي يقوم بها الأفراد أو الجماعات بهدف ترهيب الناس وإيذائهم معنويًا أو جسديًا. كما يتضمن الاستخدام غير المشروع للعنف والقوة، وبثّ الرعب بين المواطنين، وتهديد حياة الأبرياء بدوافع غير مشروعة.

يُعدّ مفهوم الإرهاب من أكثر المصطلحات القابلة للتلاعب، إذ يختلف تعريفه وفقًا لمصالح الدول وإدراكها لمصدر التهديد. ففي كثير من الأحيان، يختلف التصنيف بين ما هو إرهابي، وما هو إجرامي، وما هو حركة تحررية أو نضالية. تدرك دول العالم الجنوبي، التي عانت من الاستعمار، جيدًا معنى الحركات الثورية التحررية، بينما نجد أن دول العالم الشمالي، التي كانت دولًا استعمارية في السابق، توظف هذا المفهوم وفقًا لمصالحها.

هذا التصنيف ليس مفاجئًا بالنظر إلى أن الجهات التي تضع حركة حماس على قوائم الإرهاب هي نفسها التي تعتبر الكيان الإسرائيلي “دولة شرعية”، رغم أنه في جوهره مشروع استعماري استيطاني.

هذه الازدواجية في التصنيف ليست مجرد موقف سياسي، بل هي امتداد لمنظومة استعمارية متكاملة تسعى إلى شرعنة الاحتلال وتجريم المقاومة، بحيث يصبح الدفاع عن الأرض إرهابًا، بينما تُبرَّر جميع أشكال العدوان الإسرائيلي تحت غطاء “الدفاع عن النفس”.


تحليل الخطاب السياسي والتنبؤ بالسياسات المحتملة

يتضح لنا أن تحليل الخطاب السياسي لا يقتصر على كشف ازدواجية المعايير، بل يساعد في فهم السياسات الفعلية المحتملة. فالخطاب ليس مجرد وسيلة إعلامية، بل هو انعكاس لاستراتيجيات الدول وتوجهاتها المستقبلية. وبالتالي، فإن مواجهة هذا الخطاب تتطلب تكوين خطاب عربي موحد قادر على كشف التلاعب اللغوي وتحدي الرواية المهيمنة.

شارك

مقالات ذات صلة