آراء
بينما كان الشعب السوري يُعذّب في السجون، ويُهجّر من أرضه، ويعيش أصعب أيامه، كان الأمل يشرق من بين رماد الدمار. ورغم أنَّ الصراع كان طويلًا ومريرًا، إلّا أنه كان مليئًا بالدروس والعبر التي يمكننا استخلاصها من تلك التجربة. ومع تغيّر الحال في سوريا، أجد أن هذه الأرض تحمل في طياتها دروساً تتجاوز الحدود يجب أن نتوقف عندها اليوم.
معطيات الواقع
من أبرز الدروس التي قدمتها الثورة السورية هي أن معطيات الواقع، مهما كانت صعبة أو معقدة، لا قيمة لها إذا أراد الله. أثبت الشعب السوري أنَّ معركة الإرادة والإيمان أقوى من أي معطيات أرضية.
يؤكد هذا الدرس على أنَّ الظروف مهما كانت قاسية، والإمكانات مهما كانت ضئيلة، فهي ليست عائقًا أمام النصر إذا كان الله سبحانه وتعالى قد كتب لهذا النصر أن يتحقق. ففي كثير من اللحظات الحاسمة، كان السوريون يواجهون قوى تبدو في ظاهرها لا تُقهر، لكنهم ظلوا ثابتين ومؤمنين بأنَّ التغيير لا يأتي وفقًا للمعطيات المادية فقط، بل بتوفيق الله ورعايته.
هذا درس كبير لنا جميعًا في حياتنا اليومية، يُعلمنا أنَّ العوامل التي قد تبدو قاسية أو غير قابلة للتغيير هي مجرد لحظات في مسار طويل، قد يغيره الله في لحظة.
لا يأس مع الله
من أعظم الدروس التي قدمها الشعب السوري للعالم هو “لا يأس مع الله”. في ظل الظروف القاسية التي مرَّ بها السوريون، كانت هناك لحظات من اليأس والهزيمة، حيث كانت الهجمات تزداد عنفًا، والمدن تُدمَّر، والدماء تُراق. لكن رغم ذلك، كان هناك دائمًا شعاع من الأمل ينبعث من القلوب المطمئنة بأنَّ الله مع الصابرين. كانوا يرددون مقولة “ما ضاع حق وراءه مطالب”، ويؤمنون بأنَّ مع العسر يُسرا، فحتى في أعتى لحظات الظلم، كان الشعب السوري يرفع رأسه عالياً، ويعلم أنَّ الله لا يترك عباده الذين يسعون للحق.
ومن أبرز الشهادات على ذلك هي القصص التي ترويها العديد من الأمهات والآباء الذين فقدوا أبناءهم في النزاع، لكنهم استمروا في التمسك بالأمل والإيمان بأنَّ تضحياتهم لن تذهب سدى.
طريق النجاح
الطريق إلى النجاح ليس مفروشًا بالزهور، بل هو مليء بالتحديات والتضحيات التي تجعل من كل خطوة نحو النصر درسًا بحد ذاته. وفي العديد من القصص التي سُردت من قبل العائلات السورية، كان هناك دائمًا من يتقدم، يبذل نفسه من أجل المبادئ، يحمل في قلبه إيمانًا بأنَّ النتيجة تستحق كل التضحيات.
هؤلاء الذين فقدوا حياتهم، وأولئك الذين فقدوا أحباءهم، كانوا يعلمون جيدًا أنَّ النجاح الحقيقي لا يأتي إلا عندما يكون طريقه محفوفًا بالتضحية والإصرار. وهذا درسٌ عظيم: أنَّ الطريق إلى النجاح لا يكون سهلًا، ولكن من خلال التضحيات يمكن للإنسان أن يحقق ما يصبو إليه.
من سوريا إلى غزة
من أبرز الدروس التي نستلهمها من أحداث سوريا هي لحظات الثبات والصمود في وجه الأزمات. فكما شهدنا في سوريا من تضحيات ومعاناة، نجد أنَّ غزة أيضًا قدمت نموذجًا مشابهًا في الصمود والمقاومة. في كلتا الحالتين، كانت الأوضاع صعبة للغاية، ومع ذلك، استمر الفلسطينيون في غزة والسوريون في سوريا برفع راية الثبات في وجه كل الصعاب.
ما جمع بين الأحداث في سوريا وغزة هو أنَّ الثبات في المبادئ كان دائمًا هو السلاح الذي لا يُهزم. في سوريا، شاهدنا كيف أنَّ الشعب، رغم القصف والدمار، تمسك بحلمه في حياة كريمة، بينما في غزة، استمر الفلسطينيون في الوقوف أمام جحافل الاحتلال رغم الحصار والمعاناة. هذه المشاهد المتكررة في سوريا وغزة تعلمنا أنَّ الثبات في المواقف والمبادئ هو مفتاح النصر في جميع الأحوال.
دوام الحال من المحال
درس آخر من الأحداث التي مر بها الشعب السوري هو أنَّ لا شيء يبقى للأبد، وأنَّ الأحوال تتغير برمشة عين. ما كان يُعتقد أنه مستمر إلى الأبد، تلاشى بسرعة قياسية. هذه القاعدة تنطبق على كل الأحوال في الحياة، إذ أنَّ الظروف الصعبة لا تدوم. مهما كانت التحديات التي يواجهها الإنسان، فإنه يجب عليه أن يتذكر أنَّ كل شيء زائل، وأنَّ التغيير جزء من سنة الله في خلقه.
إنَّ الظروف التي تبدو صعبة الآن ستصبح مجرد ذكريات في المستقبل. وما نعيشه اليوم قد يتغير غدًا، وقد تأتي أوقات من الفرح بعد الحزن، أو أوقات من الراحة بعد التعب.
استنكار الظلم
من أبرز الدروس في قصة سوريا هو أهمية استنكار الظلم أينما كان. جاء الإسلام ليؤكد على نبذ الظلم بكل أشكاله، ويحث على العدالة والمساواة بين الناس. فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحسانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ” (النحل: 90)، مما يذكرنا أن الله سبحانه وتعالى يرفض الظلم بكل صوره ويأمر بالعدل والإحسان. كما جاء في السنة النبوية الشريفة قوله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” (رواه مسلم).
نبذ الظلم في الإسلام ليس مجرد دعوة للابتعاد عن الظلم في المسائل الكبرى، بل هو دعوة للتفكير في كل تصرفاتنا اليومية وقراراتنا، ومراجعة ما إذا كنا نمارس الظلم على أنفسنا أو على الآخرين. وهذه فرصة لأن نسأل أنفسنا: هل نستنكر الظلم الذي نراه؟ كيف نعامل الآخرين في حياتنا اليومية؟ وهل نحن صادقون في إحقاق الحقوق وإعطاء كل ذي حق حقه؟