بدأ يلهو بعالمه الصغير، حين جال في باله أن يمنع سبع دول إسلامية من الحصول على تأشيرات لدخول الولايات المتحدة، وهي عنصرية لم تكن خافية، بل تباهى بها في حملته الانتخابية. يومها صرحت على ما أتذكر لصحيفة كانت ضمن صحف حاولت البقاء بشق الأنفس عام ٢٠١٧ قبل مصادرة كل شيء وغلق المجال العام تماما بأن دونالد ترامب يعيش مرحلة مراهقة سياسية، اعتقدت أنها ستزول في دولة حافظت على سمعة مؤسساتها حتى لو جابتها منها النوائب منذ حرب العراق، لكن الشعبوية فيها لن تدوم. على الأرجح هي موجة عاصية على المؤسسات وتتبخر وتبطل موضتها.
بعدها بأعوام ظننت أنني سمعت عن طريق الخطأ ترامب وهو يتحدث عن رئيس السلطة الحالية باسم ”دكتاتوره المفضل“ قرأتها مكتوبة بعد ذلك. كيف لشخص يفترض أنه يحمل عبء بلدا بحجم مصر أن يقبل على نفسه وصفا كهذا، بل وله تبعات. دكتاتوره المفضل يعني أنه يُنتظر منه أن يأتي على تنفيذ أفعال تصنف تحت تصنيف الديكتاتورية برغبة وخطط وإرادة المراهق السياسي الشعبوي صاحب الشطط الذي يتفاخر به علنا وعلى الملأ. الحصافة السياسية تحدد على المسؤول أن يتفاعل مع هذا النوع من مسؤول كهذا بقدر شديد القدر من ضبط النفس وإعمال العقل ومنتهى الثبات، ثم دراسة ما يطرح بالفعل وكأنه مطروح بالفعل للدراسة وبجدية.
عند الخطوط الحمراء، يتوقف المسؤول عند حدوده التي منحها إياه الشعب المصري الذي يحدد له حدود وظيفته وتكليفه وصلاحيات قراراته. فلا تفريط ولا بيع ولا تعالي على إرادة الشعب مهما كانت الضغوط. يفترض أن وظيفة المسؤول، تحديدا رئيس الجمهورية قطعا ألا يكون الديكتاتور المفضل لأحد أيا من كان، فالعبارة نفسها تستوجب ردا رسميا من مؤسسة الرئاسة، ومن الخارجية المصرية ومن رئاسة المحكمة الدستورية القائمة على وظيفة الرئيس في صحيفة الدستور المصري وحدود وظيفته. ناهيكم عما يبنى على هذه العبارة الشائنة وكأنها مقدمة لطلبات أو لنقل أوامر من المراهق السياسي للديكتاتور المفضل. فهو أولا مقبولٌ كديكتاتور، من ثم فوق كل الجرائم التي تٌرتكب بحق القانون والدستور وحق المواطن في حياة آمنة ومستورة في القوانين الإجرائية والعقوبة والتقاضي والضوابط والعدالة الناجزة.
صفقة القرن التي يريدها ترامب ونفذ تقريبا نصفها في مدة ولايته الأولى بإتمام صفقات التطبيع ورهينة المنطقة على جثث شعب لا يعرف معنى الهزيمة ولا التفريط ولم ولن يقبل تصفية قضيته ولا مطاردة أرضه، إما بقاءه وإما تسويته بأرضه الحناء وأشجار زيتونه التي سوته الجرافات الإسرائيلية في الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
الفلسطينيون أصحاب فضل ليس فقط بمقاومتهم للبقاء والعمار وإزالة احتلال بغيض يختبيء خلف عباءة الولايات المتحدة وكثير من الغرب وأخيرا خلف مراهقات ترامب. الموقف الرسمي المصري في السنوات العشر الأخيرة موقف خطابي لا يرقى للفعل لأنه لا يدرك أن الفلسطينيين المكلومين والواقفين كالشجر والصخر يهلكون دون أرضهم وسينتصرون وينتصرون كل يوم، يدفعون ثمن أمن مصر القومي بلا استئذان ودون مقابل.
فلسطين السودان وليبيا وخليج العقبة، جبهات أمننا القومي، هي أبعادنا شديدة الحساسية، التي فرطنا في بعضها وأيدينا في جيوبنا وكأنها ملك لنا يحق لنا التفريط فيه بالبيع والشراء. تيران وصنافير التي وقفت وزملائي في مجلس النواب وآلاف المصريين بل ملايين منهم وإن بالقلب نبكي دما على عظام أهلنا الذي استبسلوا واستُشهدوا في سيناء فداء لها، باعتها النخاسة بيد وعقل باردين! فرطت بلا دمعة ولا ضمير ولا مقاومة، صغار مصر باعوا مصر! الديكتاتور المفضل سعيد أنه ديكتاتور وأسعد أنه المفضل. بينما يحمي الفلسطينيون والمقاومة ظهورنا دون تردد.
مصر كبيرة.. بل كبيرة جدا.. أن يحكمها ديكتاتور مفضل.. لمراهق يفضل الطغاة