آراء

استدعاء بني أمية في الخطاب السوري المعاصر: حنين الذكريات أم ضرورة سياسية؟

فبراير 3, 2025

استدعاء بني أمية في الخطاب السوري المعاصر: حنين الذكريات أم ضرورة سياسية؟

بعد انتصار الثورة السورية عام 2024م، تصاعدت تساؤلات ملهمة في الأوساط الشعبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي: لماذا عاد ذكر بني أمية بقوة في الوجدان السوري؟ وكيف تحوّلت دمشق، التي كانت يومًا عاصمة أول دولة عربية إسلامية، إلى ساحة صراع بين هوية الأمة وخصومها التاريخيين؟ هل كان استدعاء الأمويين مجرد حنين وذكرى تاريخية؟ أم أنه بحثٌ عميق عن نموذج لدولة عربية مستقلة، تملك سيادتها، وتقف في وجه الهيمنة الأجنبية، كما فعل الأمويون من قبل؟ وهل يعيد التاريخ نفسه ليؤكد أن دمشق لا تنحني إلا لمن يصنع مجدها؟

 

لطالما شكّلت الدولة الأموية إحدى أهم المحطات في التاريخ الإسلامي، فقد كانت أولى الدول الإسلامية الكبرى بعد الخلافة الراشدة، ورسخت معالم الحكم المركزي، والإدارة القوية، والتوسع الحضاري. ومن بين المدن التي شهدت أوج مجد بني أمية دمشق، التي كانت عاصمة دولتهم، ومنها انطلقت الفتوحات الكبرى شرقًا وغربًا، لتمتد حدود الإسلام إلى الصين في الشرق وإلى فرنسا في الغرب.

 

لكن العجب كل العجب أنه بالرغم من سقوط دولتهم عام 132هـ / 750م على يد العباسيين، لم يختفِ أثر بني أمية، بل ظل حاضرًا في الذاكرة التاريخية للعرب والمسلمين، خاصةً في سوريا، التي احتضنت إرثهم، وشهدت لاحقًا أحداثًا ثورية نتجت عن ثورة سورية ضد المستبد الذي أتى بأعداء الأمويين الى دمشق، فالأمر يستدعي استرجاع هذا التاريخ.

مع تولي معاوية بن أبي سفيان الحكم عام 41هـ / 661م، بعد الصلح الذي تم مع السيد الحسن بن علي، أصبحت دمشق عاصمة الخلافة الإسلامية، ولم تكن مجرد مقر سياسي، بل كانت مركزًا حضاريًا متطورًا، حيث أنشأ الأمويون أعظم المؤسسات الإدارية، والعسكرية، والاقتصادية، ما جعل الدولة الإسلامية في سوريا أكثر تنظيمًا وقوة.

فتميز العهد الأموي بنهضة عمرانية، ومنها بناء الجامع الأموي في دمشق، الذي ما زال شاهدًا على ذلك العصر الذهبي، كما شهدت دمشق ومحيطها نهضة اقتصادية، حيث كانت سوقًا دوليًا مزدهرًا تتقاطع فيه طرق التجارة من الهند والصين إلى البحر الأبيض المتوسط.

ولم يكن بني أمية مجرد حكام، بل كانوا صُنّاع للهوية العربية والإسلامية، فقد عملوا على تعزيز اللغة العربية كلغة رسمية للإدارة والعلم والفكر و الكتابة العلمية، كما اهتموا بالفتوحات العسكرية المسلحة التي ربطت العالم الإسلامي بامتداده الجغرافي الواسع من سينغيانغ شرقا الى جنوب باريس غربا.

وهكذا ظلّت سوريا مرتبطة بالإرث الأموي حتى بعد سقوط دولتهم، حيث بقيت آثارهم العمرانية والسياسية والاجتماعية حاضرة في وجدان السوريين، سواء في التاريخ السياسي أو الهوية الثقافية، فالجامع الأموي وحضوره الطاغي كأحد أعظم المساجد في العالم الإسلامي، يمثل رمزية رمز للحضارة الأموية في دمشق.

ونجد أن القيم العربية القتالية قد ورثها السوريون من بني أمية و أخصها نزعة المقاومة والصمود، وهو ما انعكس في محطات تاريخية عديدة في الشخصية السورية، بل إن حتى الهوية العربية كانت الدولة الأموية رمزًا للقومية العربية في القرون الأولى الإسلامية قبل أن تتشكل كأيديولوجية سياسية في العصر الحديث، وهو ما جعل سوريا لاحقًا موطنًا للفكر القومي العربي.

 

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 ضد نظام بشار الأسد ثم انتصار ثورتهم في 2024، عاد الحديث عن بني أمية في الخطاب الشعبي والسياسي، حيث بدأت الجموع السورية في مواقع التواصل الاجتماعي يستلهمون الرمزية الأموية في نضالهم، معتبرين أنفسهم امتدادًا لتاريخ دمشق العريق الذي قاوم الهيمنة الفارسية والعباسية في الماضي، ويقاوم اليوم الهيمنة الإيرانية وحلفاءها باسترجاع للذاكرة التاريخية.


فنجد هناك الحديث عن ضرورة بناء دولة قوية ذات سيادة عربية كما حدث في العصور الإسلامية المبكرة، حيث تم استحضار شخصيات مثل معاوية بن أبي سفيان، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز كنماذج للحكم القوي العادل، مقارنة بالنظام الحاكم اليوم. ويأتي الحديث عند التطرق للمواجهة مع النفوذ الإيراني حكاية نضال الأمويين ضد المد الفارسي الشعوبي في عصورهم، فقد وجد السوريون أنفسهم أمام تدخل إيراني سافر في بلادهم، ما جعل البعض يرون الصراع الحالي امتدادًا للصراع الأموي-العباسي-الصفوي التاريخي. وحتى استلهام فكرة الحكم العادل، فيأتي استشهاد السوريين بشخصيات أموية مثل عمر بن عبد العزيز كنموذج للحكم الرشيد القائم على العدالة، في مقابل الفساد والطغيان الذي يمثله النظام المخلوع.

فالثورة السورية إذاً، بقدر ما هي صراع سياسي، فهي أيضًا صراع حضاري، بين من يريد إبقاء دمشق أسيرة النفوذ الأجنبي برومها وفُرسِها، وبين من يؤمن أنها كانت وستبقى عاصمةً للعرب، كما كانت في زمن بني أمية.

شارك

مقالات ذات صلة