سياسة

ترامب ونزاعات أفريقية بانتظار إشعالها: من مغربية الصحراء إلى الاعتراف بصوماليلاند

فبراير 2, 2025

ترامب ونزاعات أفريقية بانتظار إشعالها: من مغربية الصحراء إلى الاعتراف بصوماليلاند

يتشكل فريق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لقارة أفريقيا بخبرات عميقة لكنّه ذو توجهات راديكالية، مع احتمال تعيين جيه بيتر فام، الذي شغل سابقًا منصب المبعوث الخاص لمنطقتي الساحل والبحيرات العظمى، كأعلى مسؤول في وزارة الخارجية المعني بالشؤون الأفريقية. بيتر فام أكاديمي بارز في العلاقات الدولية ومتخصص في الشؤون الأفريقية، حيث تقلّد سابقًا منصب نائب رئيس المجلس الأطلسي ومدير مركز أفريقيا، وحصل في 2020 على رتبة سفير شخصية. كذلك، يبرز تيبور ناجي، مساعد وزير الشؤون الأفريقية الأسبق في إدارة ترامب، بخبرته الطويلة الممتدة لعقود في القضايا الأفريقية، ما يجعله مرشحًا لوكيل وزارة الخارجية بالإنابة.


أما في البيت الأبيض، يُرجح أن يكون جو فولتز، الذي عمل في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب وركّز على النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا، مديرًا أول لأفريقيا في مجلس الأمن القومي. إلى جانبه، يبرز رودي عطا الله، المقدم المتقاعد الذي يمتلك خبرة واسعة من البنتاغون، كمرشح لمنصب نائب رئيس مكافحة الإرهاب.


يُواجه فريق ترامب المقترح هذا تحديات معقدة في أفريقيا تتصدرها الحرب الأهلية المستعرة في السودان، بالإضافة إلى تصاعد النفوذ الروسي والصيني في القارة السمراء، مما يعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية. كما يواجه الفريق انتهاء صلاحية قانون النمو والفرص الأفريقي (AGOA)، الذي كان أحد أدوات الولايات المتحدة لتوسيع نفوذها الاقتصادي في أفريقيا.


إلى جانب هذه التحديات، تبرز ثلاث قضايا جيوسياسية حساسة قد تؤدي قرارات إدارة ترامب المحتملة بشأنها إلى إشعال نزاعات إقليمية في القارة. أولها، قضية الصحراء الغربية، حيث يدفع فريق ترامب لتثبيت الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الإقليم كجزء من استراتيجية إقليمية تستهدف مواجهة النفوذ الصيني وتعزيز التحالف مع المغرب. ثانيها، قضية جزيرة تشاغوس، حيث يمكن أن يتدخل ترامب لمنع اتفاقية تسليم بريطانيا للجزيرة إلى موريشيوس، خشية أن تستغل الصين الوضع لتوسيع وجودها في المحيط الهندي. وأخيرًا، قضية الاعتراف باستقلال إقليم أرض الصومال، التي قد تُستخدم كورقة ضغط جيوسياسية لمناكفة الصين وتعزيز السيطرة الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي.


هذه القضايا الثلاث، بكل ما تحمله من تعقيدات وأبعاد دولية، تشكل محورًا لقرارات قد تعيد تشكيل ملامح التوازن السياسي في القارة الأفريقية، وذلك ما سيحاول المقال تسليط الضوء عليه.

 

 

  • – الصحراء الغربية: تحديات الجيوسياسة في شمال إفريقيا ودور إدارة ترامب

 

الصحراء الغربية، التي تمثل إحدى أكثر النزاعات تعقيدًا وطولًا في شمال إفريقيا، أصبحت قضية جوهرية في الاستراتيجية الأميركية، وخاصة خلال رئاسة دونالد ترامب الأولى. هذا النزاع الممتد منذ عام 1975 بين المغرب وجبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، يشكل اختبارًا رئيسيًا للسياسة الأميركية التي تسعى لتحقيق مكاسب استراتيجية في المنطقة.

ما يجعل اللحظة الحالية فريدة هو التوافق الإقليمي غير المسبوق حول دعم خطة الحكم الذاتي المغربية. لأول مرة، اتفقت دول مثل فرنسا وإسبانيا على تبني هذا الخيار كحل واقعي للنزاع. كما يرى فريق ترامب أن موريتانيا، الحليف التقليدي للغرب، قد تميل للانضمام إلى هذا الموقف بالنظر إلى دورها الجيوسياسي الحساس بين المغرب والجزائر. هذا الإجماع الدولي، إذا ما استُثمر بذكاء، -بحسبهم- قد يُمهد الطريق لتسوية دائمة للنزاع.

وعلى المستوى الاقتصادي، يرى فريق ترامب أن الصحراء الغربية تحمل إمكانات غير مستغلة تجعلها منطقة ذات أهمية استراتيجية متزايدة. الاهتمام الصيني بميناء الداخلة الواقع في الصحراء، ومشاريع السكك الحديدية، والبنية التحتية لشبكة الجيل الخامس التي عرضها على المغرب، يعكس الأهمية المتزايدة للمنطقة. ومع تصاعد النفوذ الإيراني وارتباطه المزعوم بجبهة البوليساريو، بحسب تقارير فريق ترامب تصبح الحاجة إلى تحرك أميركي حاسم أكثر إلحاحًا. ويرى الفريق أن أي تأخير في اتخاذ خطوات جادة قد يمنح الصين وروسيا مساحة أكبر لتعزيز نفوذهما في المنطقة، وهو ما قد يعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في شمال إفريقيا.

فمنذ اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في إطار اتفاقيات إبراهيم، تغيرت معايير الحل بشكل جذري. الاتفاق الذي شهد تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، أعطى الولايات المتحدة فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن الالتزامات التي تضمنها الاتفاق، مثل فتح قنصلية أميركية في الداخلة، لم يتم تنفيذه حتى الآن، مما يثير تساؤلات حول استمرارية هذا الزخم.


ومن منظور فريق ترامب للشؤون الأفريقية الذي عرضناه أعلاه، فإن حل النزاع في الصحراء الغربية لصالح المغرب ليس مجرد إنهاء لصراع محلي، بل هو فرصة استراتيجية تخدم المصالح الأميركية على عدة مستويات. أولًا، حل النزاع سيحول دون تمدد النفوذ الصيني في المنطقة، حيث تسعى بكين لترسيخ وجودها عبر مشاريع البنية التحتية والتعاون الاقتصادي، بما في ذلك في الصحراء الغربية. ثانيًا، يتيح الحل فرصة للولايات المتحدة لتأكيد دورها القيادي في تشكيل نتائج النزاعات الإقليمية، خاصة في منطقة تعج بالتوترات الجيوسياسية. وأخيرًا، يعزز الحل التحالف مع المغرب كشريك استراتيجي موثوق به في منطقة شمال إفريقيا وجزء من اتفاقيات إبراهيم.


لكن وفي الطرف الآخر، غني عن البيان، أن النزاع في الصحراء الغربية معقدًا ولن يكون لقمة سهلة لأمريكا لتحقيق مكاسب استراتيجية. فجبهة البوليساريو ترفض أي حل لا يعترف باستقلال الصحراء الغربية، والجزائر، باعتبارها الداعم الرئيسي للجبهة، ترى أن تصفية القضية لصالح المغرب تتعارض مع مصالحها الإقليمية، وليست عادلة تجاه الصحراويين. هذا الموقف الجزائري يعقّد الأمور ويزيد من احتمالية حدوث تصعيد إقليمي في حال تم اتخاذ خطوات غير مدروسة. لذلك، في المحصلة، الصحراء الغربية ليست مجرد صراع محلي، بل هي ساحة لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية. والسؤال الذي يبقى مطروحًا: هل سيقود هذا التحرك الأمريكي إلى حل دائم أم أنه سيؤدي إلى اشتعال نزاعات جديدة في شمال إفريقيا؟

 

       2- جزر موريشيوس: صراع السيادة في مواجهة الهيمنة الغربية

في قلب المحيط الهندي، تدور رحى نزاع جيوسياسي يمتد لعقود بين بريطانيا وموريشيوس حول أرخبيل تشاغوس، وهي مجموعة جزر مثقلة بتاريخ الاستعمار والتنافس الجيوسياسي. القضية تعود إلى الستينيات عندما فصلت بريطانيا الجزر عن موريشيوس قبل استقلالها في عام 1968، وأقدمت على ترحيل السكان الأصليين قسرًا، والبالغ عددهم حوالي 1500 شخص، ثم قامت بتأجير أكبر جزر الأرخبيل، دييغو غارسيا، للولايات المتحدة لتُحول إلى قاعدة عسكرية استراتيجية.

في عام 2019، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا غير ملزم وصفت فيه السيطرة البريطانية على الجزر بأنها جزء من عملية استعمارية غير قانونية، مطالبة بريطانيا بإعادتها إلى موريشيوس. دعم هذا الموقف أيضًا قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة، مما زاد من الضغط الدولي على بريطانيا. ومع ذلك، تجاهلت لندن هذه الدعوات، متمسكة بالتزاماتها العسكرية مع الولايات المتحدة، التي تعتبر القاعدة في دييغو غارسيا ركيزة أساسية لعملياتها العسكرية في الشرق الأوسط وآسيا.

بالنسبة للولايات المتحدة، لا يقتصر الأمر على بُعد عسكري فحسب، بل يتعلق بموقع استراتيجي بالغ الأهمية لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المحيط الهندي. تُعد القاعدة في دييغو غارسيا مركزًا لعمليات قاذفات القنابل الثقيلة والمراقبة العسكرية. وعلى الرغم من تأكيد موريشيوس بأنها لن تحول الجزر إلى قاعدة صينية، إلا أن واشنطن وبريطانيا تخشيان أن يُمكن نقل السيادة على الجزر من تعزيز النفوذ الصيني أو الإيراني في المنطقة.


لكن في عام 2024، بدأت بريطانيا وموريشيوس التفاوض بشأن اتفاقية لإعادة الجزر، مع منح القاعدة العسكرية الأمريكية عقد إيجار لمدة 99 عامًا، في محاولة لتحقيق توازن بين استعادة السيادة الموريشيوسية والحفاظ على المصالح العسكرية الغربية. لكن صحيفة “التلغراف” البريطانية كشفت يوم أمس فقط عن تطور جديد قد يُعقد هذا المشهد؛ إذ نقلت أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تلقى نصائح من فريقه الجمهوري الخاص بالشؤون الأفريقية لعرقلة الاتفاقية. المخاوف المطروحة تتمثل في أن استعادة موريشيوس للجزر قد يفتح الباب أمام إيران أو الصين لتعزيز أنشطتها الاستخباراتية ضد القاعدة العسكرية.


وإذا اعترضت إدارة ترامب على الاتفاق، فمن المرجح أن يتجدد النزاع بين موريشيوس وبريطانيا، مما يضيف طبقة جديدة من التعقيد، وفي هذا السياق، تصبح قضية شاغوس رمزًا للصراع على الهيمنة في عالمٍ يتغير بسرعة، حيث تزداد المنافسة على السيطرة الجيوسياسية، وتظل أصوات السكان الأصليين المطالبين بحق العودة غائبة وسط ضجيج المصالح الكبرى.

 

-3 مخاطر الاعتراف بأرض الصومال كجمهورية مستقلة

القضية الثالثة التي قد تثير الجدل وتخلق صراعات في أفريقيا خلال ولاية دونالد ترامب الثانية تتعلق بإقليم أرض الصومال، الذي يسعى للحصول على اعتراف دولي كدولة مستقلة بعد إعلانه الانفصال عن الصومال في عام 1991. يتميز الإقليم باستقراره وديمقراطيته مقارنة بالصومال، وقد برز في الآونة الأخيرة كلاعب رئيسي في منطقة القرن الأفريقي، خاصة مع وجود ميناء بربرة الاستراتيجي المطل على خليج عدن.


في يناير الماضي، ومع تنصيب ترامب، برزت أصوات في هارجيسا، عاصمة الإقليم، تحتفي بهذا الاحتمال التاريخي. الطالبة الجامعية عائشة إسماعيل، في مقابلة بثتها شبكة “بي بي سي”، قالت بفرح لا يخلو من الرجاء: “دونالد هو منقذنا. إنه رجل حكيم وعملي. بارك الله في أمريكا”.


كما تُظهر التقارير أن ترامب قد يفكر في اتخاذ خطوة جريئة بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة. يُنظر إلى هذا الاحتمال من خلال عدسة جيوسياسية، حيث يمكن أن يُستخدم الاعتراف بالإقليم كوسيلة لتعزيز النفوذ الأمريكي في منطقة شديدة الأهمية استراتيجيًا. ميناء بربرة، بموقعه الحيوي على أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم، يجعل من أرض الصومال خيارًا مغريًا للولايات المتحدة لاستبدال قاعدة جيبوتي المكتظة والمنافسة بوجود صيني قوي هناك.


إضافيًا، تزايدت الضغوط من الجمهوريين الداعمين لهذا الاعتراف، حيث قدم النائب سكوت بيري مشروع قانون يطالب بالاعتراف الرسمي بأرض الصومال. كما أن مستشارين مقربين من ترامب، مثل بيتر فام، العضو في فريق ترامب للشؤون الأفريقية، يرون أن تعزيز العلاقة مع أرض الصومال يمثل فرصة لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي، خاصة أن الصين أبدت معارضة شديدة لأي محاولة اعتراف بالإقليم، كما حدث عندما أقامت أرض الصومال علاقات مع تايوان.


إلا أن هذا التوجه يحمل في طياته خطرًا باندلاع صراع إقليمي جديد. فالحكومة الفيدرالية في مقديشو تعتبر أرض الصومال جزءًا لا يتجزأ من الصومال، وقد سبق أن عطلت محاولات إثيوبيا إقامة قاعدة بحرية في ميناء بربرة بأرض الصومال -مقابل الاعتراف- عبر وساطات تركية. إذا ما تقدمت إدارة ترامب نحو الاعتراف، فقد تتفاقم التوترات بين الصومال وحلفائها وأرض الصومال، وربما إلى نزاعٍ مسلح جديد في القرن الأفريقي.

 

ختامًا، يتضح مما سبق، أنّ توصيات فريق إدارة الرئيس ترامب المعني بأفريقيا، حول الصحراء الغربية وجزر تشاغوس وأرض الصومال، تُمثل محاورًا محتملة لتصعيد النزاعات في أفريقيا وتعزيز التنافس مع الصين. ففي الصحراء، تهدف واشنطن إلى دعم المغرب لكسب نفوذ استراتيجي ومنع توسع الصين في الممرات الحيوية. أما في جزر تشاغوس، تسعى إدارة ترامب للحفاظ على القاعدة الأمريكية في دييغو غارسيا كحاجز أمام النفوذ الصيني -وربما الإيراني- في المحيط الهندي. وبالنسبة لأرض الصومال، فإن الاعتراف بها قد يفاقم الصراعات مع مقديشو، بينما يخدم مواجهة التغلغل الصيني في القرن الأفريقي. المؤسف في جميع ما سبق، أن هذه الخطوات تعكس استراتيجية أمريكية أوسع لموازنة القوة مع الصين، حتى لو كانت على حساب استقرار القارة. وهذا دأب أمريكا الامبريالية.

شارك

مقالات ذات صلة