مدونات

سلامٌ على أهل غزة!

فبراير 1, 2025

سلامٌ على أهل غزة!

للكاتب: أحمد فؤاد


إن المتابع للأحداث منذ بدايتها يدرك أن شعب غزة له طبيعة خاصة، وحياة متفردة، وانتماء فريد، وتعلق بالأرض عجيب. يوقن أن أهل غزة خيرة أهل الأرض قاطبة؛ لما بذلوه طوال الأعوام الماضية صابرين محتسبين. وجاءت مشاهد فرحتهم بعد إعلان الصفقة على أنقاض بيوتهم المهدمة لتبرهن أن فرحتهم لا تكون بالدور والقصور كغيرهم، بل بالعزة والثبات وإغاظة الأعداء، وهذا – لعمرك – عمل عظيم وأجر كبير يضاف إلى أجر صبرهم وتعبهم ونصبهم:

“ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطؤون موطئًا يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلا إلا كُتب لهم به عمل صالح…”

شعب لم يُفرح عدوه ولم يخذل أمته، صبر وثبت ولم يُسقط الراية. شعب ناضل وحده وثبت وحده ونزح وحده، ومع ذلك سمح للجميع أن يفرح معه، ويكبّر معه، ويبكي فرحًا معه، وهو الذي كان يبكي حزنًا وحده وينزف دمًا وحده؛ فسلام عليه.

سلام على شعب غزة الأبيّ، سلام على الشعب الكريم الذي صبر وثبت ضد قوى العالم الغاشم. سلام على دموع الفاقدين، وأنّات المصابين، وجراح النازحين. سلام على الأيتام الباكين، وعلى الأرامل والمساكين. سلام على الذي يُكبّر فرحًا رغم مرارة الفقد وحسرة الخذلان. سلام على العائدين لبيوت مهدمة فرحين مستبشرين راضين محتسبين. سلام عليهم وقت نزوحهم وعودتهم:

“سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار”.

نِعَمَ الديارُ ديارُكم التي ستُبنى بلبنات العز وأحجار الكرامة، ونِعَم العقبى لكم في الآخرة: قصور ودور، دور لا تُقصف، وقصور لا تهدم، وغرف مبنية تجري من تحتها الأنهار.

إن طبيعة هذا الشعب لا بد أن تُدّرس وتُدرّس، فقد ضرب أروع الأمثلة في نزوحه ورجوعه، وفي حزنه وفرحه، وفي عسره ويسره. كان صابرًا رغم دموع النزوح والفقد، راضيًا وهو يذرف دموع العودة واللقاء. هذا شعب لا يفكر في متاع الدنيا قدر تفكيره في عزة نفسه، وفيما أُعد له في الآخرة؛ لأنه شعب قرآني، له مع القرآن حال ومقال، حفظ القرآن، وتدبر معانيه، وعمل بما فيه، فأيقن وعد الله وابتغى ما عند الله:

“وما عند الله خير وأبقى.”

شعب يعلم أنها موتة واحدة، لذا يحرص على أن تكون في سبيل الله. شعب لا يريد أن يرى منه العدو إلا شموخ الثابتين وعزة المنتصرين. شعب سبقنا بقلبه؛ لأنه علم الحقيقة وأدرك الغاية، فضحّى بالدنيا وآثر الآخرة.

هذا الشعب الذي يعود ماشيًا آلاف الأمتار، حاملًا في جعبته أمل التعمير وفرحة الثبات، يعلم أنه انتقل من خيمة صغيرة إلى خيمة فوق ركام منزله كبيرة، ومع ذلك يغني ويفرح ويكبّر ويهلل، وكأنه سيعود إلى قصر لا أنقاض، وإلى واحة مليئة بالأشجار والورود، لا ساحة مليئة بالأحجار والبارود.

سلام عليهم وعلى فرحتهم. سلام على الفرحين لحظة العودة والانتصار. سلام على الماشين مسافات ومسافات مبتسمين؛ لأنهم سيرون دورهم، ويعمّرون بيوتهم، ويدفنون شهداءهم، باحثين تحت الأنقاض عن ذكريات وأفراح مدفونة.

سلام على هذا الشعب الكبير الصابر الراضي، الشعب الذي علّم العالم كيف يكون حب الإيمان، وكيف تُسترد الحرية، وكيف تُدفع الأثمان وتُبنى الأوطان:

“وللأوطان في دم كل حرٍّ ** يدٌ سلفت ودَينٌ مستحقُ
ولا يبني الممالكَ كالضحايا ** ولا يُدني الحقوقَ ولا يُحِقُّ”

تحية لهؤلاء الصابرين الثابتين العائدين، الذين دقّوا باب الحرية بيد لا تكل ولا تتعب، وقلوب لا تنكسر ولا تخضع، وأرواح لا تنهزم ولا تيأس، حتى فُتح لهم رغمًا عن أنف عدوهم:

“ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ ** وفي الأسرى فِدىً لهم وعِتقُ
وللحرية الحمراء بابٌ ** بكل يدٍ مضرجَةٍ يُدقُّ”

سلام على هذا الشعب، وعلى كل من يقف معه وقفة حق وموقف صدق. هذا وقت العمل والتكافل والجد، وقت رد الجميل لهذا الشعب الذي أعاد عزة أمة وانتزع كرامة جيل. علينا أن نقف مع هذا الشعب الصابر في عودته وتعميره، ليستمر في نضاله وانتصاره. علينا أن نستمر في الدعم والمساندة، والدعاء والتضرع. دورنا أن نقف معهم في خندق المواجهة، متسلحين بحب القضية. علينا أن نمسح دموع الأيتام، ونضمد جراح المصابين، ونخفف أحزان المكلومين.

دورنا وقت الهدنة يفوق أدوارنا وقت الحرب، فهذه أعمالٌ لا هدنة فيها ولا تقصير فيها. ها أنتم تدعون للوقوف مع الأبطال، فلا تبخلوا، وتذكروا دموع فرحتكم بهم ومعهم لحظات الانتصار. قفوا مع هذا الشعب الفريد؛ لأن مفتاح الأقصى بيديه، وظني أن الفتح المبين سيكون بفضل جهده وجهاده قريبًا بإذن الله:

“وما ذلك على الله بعزيز.”

في النهاية، اعلموا أن هذه بداية، وأن رايات النصر التي رفعها الأبطال في غزة لن تسقط. وإن مات فيهم آلاف الشهداء، فقد أثمرت دماؤهم ملايين المحبين والمتفاعلين مع قضيتهم، فموت أبطالهم حياة:

“فسنبلةُ قمحٍ تجفُّ ** تملأ الدنيا سنابلَ”

فسلامٌ على حيّهم وميّتهم، كبيرهم وصغيرهم، وسلام عليكم بما تقدّمون لهم. سلام عليكم، وعلى غزة الأبية، وشعبها المنتصر، وغدها المبتسم

شارك

مقالات ذات صلة