Blog
للكاتبة: رند صفوان
لا شك أن التاريخ يُعتبر مصدراً غنيّاً للاستفادة من دروسه، وهو بكل الاحوال يعيدُ نفسه مع اختلاف البقعة الجغرافية، ومن لا يعرف الماضي محكوم عليه بتكراره. إن الحرب التي خاضتها المانيا في القرن العشرين تقدّم لنا مِثالاً جيّداً حول كيفية تجاوز الأزمات وتحقيق الاستقرار، مع أخذ الأخطاء التاريخية بعين الاعتبار. في هذا السياق، سنسلط الضوء على خمس اقتباسات مُلهِمة من شخصيات سياسية ألمانية بارزة، عاصرت الحرب العالمية الثانية أو برزت في أعقابها، مع إسقاطها على الواقع السوري بهدف الاستفادة من التجربة الألمانية في معالجة التحديات الراهنة.
-“لم تعد الحرب الحل الأخير، بل أصبحت قمة اللاعقلانية”، جملة قالها مُستشار ألمانيا الأسبق “ويلي برانت” في الحرب الباردة حيث كانت التوترات بين الكتلتين الشرقية والغربية في أوجها، قبل توحيد الألمانيتين. يمُكن أن تُوازي هذه المشكلة ما تواجهه سوريا الآن في سعيها إلى تحقيق الوحدة، وخاصة فيما يتعلق بتوحيد شرقها مع غربها في ظل استعصاء الفصائل المسلحة في المناطق الشرقية.
استمرار النزاعات والاعتماد على الحلول العسكرية سيؤدي إلى مزيد من الانقسام وتعطيل جهود إعادة الإعمار والاستقرار ويسبب في إضاعة وقت يُضاف اليه ستونَ عاماً! لذا من الضروري أن تحل كل الفصائل ذاتها بشكل سلمي وتُدمج في الجيش السوري مع ضمان الحقوق المتساوية لجميع الأطراف، في إطار القانون والعدل الوطني.
-“لا يمكن أن يكون من المبكر أبداً البدء في إشراك المواطنين”، جملة قالها السياسي “تورستن كونه”، يؤكد من خلالها أن إشراك المواطنين في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية أمر في غاية الأهمية. في سوريا الحرة، يجب أن يكون تمكين المواطنين أساسًا للعملية السياسية، مما يساعد على تبادل الثقة بين المواطنين والدولة وتقليل الفجوة بين الحاكم والمحكوم، على عكس ما كان في عهد عائلة الأسد.
إن التأخير في إشراك المجتمع في العملية السياسية والاقتصادية قد يؤدي إلى استمرار مشاعر التهميش وعدم الرضا، مما يعرقل جهود الاستقرار. لذا، فإن تعزيز ثقافة المشاركة والحوار هما الحل الأفضل. علاوةً على ذلك، إشراك الشباب في عمليات اتخاذ القرار منذ سن مبكرة يعد خطوة أساسية في تكوين جيل قادر على تحمل المسؤولية والنهوض بالوطن.
-“من لديه رؤى، يجب أن يذهب إلى الطبيب” تصريح ساخر للمستشار الألماني الأسبق “هلموت شميدت”، يشير إلى ضرورة الواقعية في العمل السياسي. في ظل التحديات التي تواجه المشهد السوري اليوم، من المهم أن يكون الشعب واقعياً في تطلعاته وأحلامه بشأن المستقبل ويجب أن يدرك أن التحول الجذري لا يحدث بين ليلة وضحاها!
لا يمكن توقع انتعاش اقتصادي وسياسي سريعَين دون خطط طويلة الأجل فالتغيير المستدام يتطلب خطوات مدروسة وواقعية تتماشى مع الظروف المتاحة وعلى السوريين أن يبقوا على الأرض ويواجهوا الحقائق.
-“لا يتم السيطرة على المستقبل من قبل أولئك الذين يلتصقون بالماضي” هو قول للمستشار الألماني الأسبق “ويلي براندت”، منذ سنوات أصبح هناك حاجز جغرافي يفصل المناطق تحت سيطرة النظام السوري البائد عن المناطق الخاضعة لسيطرة الثوّار والمعارضة في الشمال الغربي، هذا الحاجز أثّر في تباين الهوية الثقافية والاجتماعية للسوريين في هاتين المنطقتين، والآن بعد التحرير توحدتا من جديد، لذلك هنالك تحدي كبير في مواجهة الواقع والتغلب على كل الحواجز فيما بينهم. يجب أن نخرج من عقليّة الثورة والثائرين ونركّز على بناء الدولة واحترام كل أطياف شعبها بمكوناتهم المختلفة.
-“لا أحد ينوي بناء جدار” تصريح كاذب للرئيس الالماني الأسبق “والتر أولبريشت” أراد أن يطمئن به الشعب، لكن قرار بناء الجدار وقتها كان قد دخل بالفعل حيّز التنفيذ، هذا المثال التاريخي يُظهر كيف يمكن للسياسات التي تُمارس بالكلمات والشعارات أن تكون بعيدة عن الواقع، الشعب السوري اليوم لا يقبل بسياسات تُمارس بالحبال الصوتية، بل بالأفعال الواقعية التي تُترجم إلى تغييرات ملموسة، لم يعد مجرد مستمع يوافق برأسه، بل أصبح أكثر وعياً وقدرة على النقد من أي وقتٍ مضى.
السوريون اليوم لا يرضون بالوعود الفارغة، بل يسعون إلى تغيير حقيقي يتجاوز الخطابات السياسية السائدة ويركز على إعادة الإعمار والعدالة بشكل فعلي وملموس.
في النهاية، من الضروري الاستفادة من دروس التجربة الألمانية التي تُعتبر نموذجاً بارزاً في التعافي من الحرب. بعد سنوات من الدمار والانقسام، تمكنت ألمانيا من إعادة بناء نفسها واقتصادها بسرعة جيدة. التحول الاجتماعي والسياسي في ألمانيا كان قائماً على الاعتراف بالأخطاء والاحترام المتبادل وإعادة دمج كافة الفئات في مشروع واحد، وهو ما يجب أن يشكل مرشداً للدول التي تمر بمراحل انتقالية نحو السلام والاستقرار كسوريا.