للكاتب: عادل العوفي
من أبرز الدروس التي أفرزتها الحرب الهمجية على غزة وأهلها الصامدين، أنها كشفت معدن الأخوة الحقيقي وأظهرت الشجعان المخلصين ممن لم يترددوا في التضحية بالغالي والنفيس لنصرة أشقائهم. ومن بين النماذج المضيئة وسط هذا الظلام الحالك، تتجلى الهبّة اليمنية المشرفة. لم تقتصر هذه الهبّة على الاعتصامات والمليونيات الحاشدة منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، بل جسدت المقولة الشهيرة: “اليمن قول وفعل”.
عندما يعد اليمني، فإنه يفي بوعده، ضاربًا بعرض الحائط كل الحسابات الضيقة التي قد يراها البعض انتحارية. فمئات السفن الصهيونية والبريطانية والأمريكية أصبحت أهدافًا معلنة للنيران اليمنية، وتحول البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي إلى مسرح تلاعب اليمني بعروضه كما يشاء. نتيجة لذلك، تحول ميناء “إيلات” أو بالأحرى “أم الرشراش” إلى مكان مهجور معطّل حتى إشعار آخر. هذا التحرك وضع الاحتلال الصهيوني في ورطة حقيقية، وأكدتها التقارير الإعلامية والاعترافات الرسمية التي وثّقت المعاناة المريرة التي سببتها الصواريخ والطائرات المُسيّرة اليمنية.
الذكاء الاستراتيجي لليمن
في البداية، ظن البعض أن النشاط اليمني سيقتصر على الشق البحري، مستغلًا موقع اليمن الجغرافي الفريد، الذي جعله مطمعًا للغزاة على مرّ التاريخ. لكن أحلام الغزاة دائمًا ما تحطمت على صخرة صمود اليمنيين، كما وثّقت دفاتر التاريخ. ومن هذا المنطلق، نجد في النشيد الوطني اليمني عبارات مثل: “وسيبقى نبض قلبي يمنيًا، لن تعرف الدنيا على أرضي وصيًّا”.
ومع مرور الأيام، اشتدت الهبّة اليمنية دعمًا لأشقائهم في غزة، وتوسعت الهجمات لتشمل مدنًا مثل يافا وتل أبيب، مما أجبر الملايين على الاحتماء بالملاجئ. هذا التحرك أصبح كابوسًا إضافيًا يؤرق الصهاينة. اللافت أن اليمن، رغم تصنيفه بين أفقر دول العالم، لم يهتز له جفن أمام التحالفات الكبرى، مثل بريطانيا وأمريكا، وطفلهم المدلل الكيان الغاصب، الذين شنّوا هجمات متكررة على صنعاء والحديدة. هؤلاء توهموا أن هذه الهجمات ستخيف اليمنيين أو تثنيهم عن مهمتهم الجليلة، لكنهم وجدوا شعبًا مدركًا لكل العواقب ومستعدًا لتحملها.
اليمن: قلب الإيمان والحكمة
من الضروري إعادة تسليط الضوء على الموقف البطولي لليمن في الحرب على غزة. فبالانتصار التاريخي الذي تنبّأ به قائد ملحمة “طوفان الأقصى” وكأنه يقرأ تفاصيل قصة مكتوبة مسبقًا. فقد كشفت هذه الحرب أقنعة كثيرة وأظهرت الشقيق الحقيقي من المزيف. وهنا تأتي أهمية الموقف اليمني، الذي يستحق الإشادة، لأن اليمن لم يتردد أبدًا في الوقوف في خندق قضايا الأمة، دون حسابات ضيقة أو مصلحية.
ورغم كل الجراح، ما زال اليمني متمسكًا بأصله العربي والإسلامي، مترفعًا عن الخلافات وحتى عن الإساءات. يُذكّرنا ذلك بالحديث النبوي الشريف: “أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوبًا، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية”. هذه الصفات أثبتها اليمنيون مرة أخرى في حرب غزة.
تحدي الدفاعات القريبة قبل البعيدة
في إعلان يمني صريح، أوضحوا أنهم اضطروا لتطوير ترسانتهم العسكرية لتتمكن من المراوغة والإفلات من الدفاعات الجوية العربية التي تقف بالمرصاد لمنعها من الوصول إلى أهدافها داخل الكيان الصهيوني. هذا الإقرار، رغم خطورته، يعكس فخر اليمنيين بقدرتهم على التحدي والإبداع لإسناد أشقائهم في غزة.
كلمة أخيرة
لقد تعمدنا الحديث عن اليمن ككل، دون الالتفات إلى التصنيفات السياسية أو الجغرافية التي قد يستخدمها البعض لتكريس التفرقة. اليمن شعب واحد يقف دائمًا إلى جانب أمته دون تردد. وكل التحية والتقدير لأبطال غزة الأشاوس وأهلنا الأوفياء في اليمن العزيز، الذين يثبتون للعالم أن الأخوة ليست شعارات، بل مواقف ودماء تُبذل نصرةً للمظلومين.
“اليمن قول وفعل”.. وستبقى هذه العبارة شاهدة على معدن هذا الشعب الأصيل.