إنّ أول ما نراه في فيلم “الرجل الطائر أو (الفضيلة غير المتوقعة للجهل)”، الذي أنْتِج في عام 2014، هو لقطة لممثل تلاشت نجوميته، ويجلس في غرفة تبديل الملابس ويتأمّل. الأمر الغريب في اللقطة – بصرف النظر عن أنّ ذلك الممثل يجلس على الهواء بارتفاع 3 أقدام من أرضية الغرفة – هو أنها، ومن تلك اللحظة حتى نهاية الفيلم، بدت مستمرّة دون انقطاع.
المصوّر المبدع “إمانويل لوبيزكي” قام بعمل مدهش بتحويل الفيلم إلى عرضٍ حي ومباشر لا يمكن التنبؤ به. حين تسير الكاميرا مع المشهد سيُذهَل المُشاهِد من استحالة ما يراه، وبمجرّد توقّفها لن يمكنه تصديق ما رآه. لقد أبدع في الحركة مع المشهد بصحبة الممثلين والطاقم الفني بأسلوب بصري جميل في لقطاتٍ تستمر الواحدة منها لأكثر من 5 دقائق دون انقطاع.
المخرج المكسيكي “أليخاندرو غونزالس إناريتو” قدّم عدّة أفلام ككاتب ومخرج، ونالت إعجاب النقاد والجمهور، وحقّقت العديد من الجوائز، وأنا شخصيًّا لست من محبّي أفلامه، ولم أستمتع بمشاهدة أيٍّ منها إطلاقًا، إلّا أنّ هذا الفيلم كان مختلفًا، وقد أعجبني لأنّه غريب ومبتكر.
قام “أليخاندرو غونزالس إناريتو” بكتابة النص السينمائي مع زملائه “نيكولاس جياكوبون” و”أرماندرو بو” و”أليكساندر دينياريس”بأسلوب شاعري مُحكَم ومملوء بالحوارات اللاذعة والفلسفية، التي ترسخ في الذاكرة، وقد تم اقتباسه من كتاب “ما نتحدث عنه حين نتحدث عن الحب” الذي يضم مجموعة قصص قصيرة للكاتب الأمريكي “ريموند كارفر”، وقد أصدره في عام 1981.
الفيلم يتناول موضوعًا قويًّا وحسّاسًا عن الهَوَس بالشهرة والنجومية، وما قد يفعله الإنسان في سبيل ذلك، وقد قُدًّم بقالب من الدراما والكوميديا السوداء الساخرة بإلقاء الضوء على ممثل مغمور في الوقت الحالي ويدعى “ريغان تومسون” الذي يلقب بـ “الرجل الطائر” نسبة إلى سلسلة الأفلام التي اشتهر بها، وبعد أعوام يقرر أن يستعيد شهرته ونجوميته بتقديم مسرحية من تأليفه وإخراجه وبطولته، إلّا أنّ ذلك لن يكون أمرًا سهلًا.
لقد أبدع جميع الممثلين في أداء شخصياتهم، وأبرزهم: “مايكل كيتون” بشخصية “ريغان تومسون”، و”إدوارد نورتون” بشخصية “مايك”، و”إيما ستون” بشخصية “سام”، و”زاك غاليفياناكس” بشخصية “جيك”، و”نيومي واتس” بشخصية “ليسلي”، و”أندريا رايزنبورو” بشخصية “لورا”، و”إيمي راين” بشخصية “سيلفيا”. تم استخدام مجموعة من روائع الموسيقى الكلاسيكية لـ “تشايكوفسكي” و”رخمانينوف” و”رافيل” و”مالر” ضمن الموسيقى التصويرية للفيلم.
بلغت ميزانية إنتاج الفيلم 18 مليون دولار، وحقّق نجاحًا مبهرًا بإيرادات تزيد عن 103 مليون دولار في شباك التذاكر في أمريكا وبقية دول العالم، وقد فاز بـ 4 جوائز أوسكار، لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي أصلي وأفضل تصوير، وقد ترشّح لـ 5جوائز أخرى، لأفضل ممثل “مايكل كيتون” وأفضل ممثل مساعد “إدوارد نورتون” وأفضل ممثلة مساعدة “إيما ستون” وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية.
إنه فيلم رائع واستحق الفوز بجدارة، ولكنه يندرج ضمن الأفلام النخبوية التي تستهدف المهتمين بعالم هوليوود والمجال الفني والسينمائي والمسرحي، ولذلك استاء البعض من اكتساحه للجوائز، كما أنّ نهاية الفيلم كانت مثيرة للجدل، وسبّبت الحيرة للمشاهدين وجعلتهم يتساءلون عمّا حدث وما لم يحدث.