مدونات

أين تقف السلطة الفلسطينية؟

يناير 8, 2025

أين تقف السلطة الفلسطينية؟

الكاتبة: إسراء شاكر

 

على أرض جنين في أطراف مرج بني عامر، حيث تنبت الأرض مقاومين أكثر مما تنبت الزيتون، قُتِلت شيرين أبو عاقلة أيقونة فلسطين وقناة الجزيرة برصاص الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيتها اقتحامات الاحتلال المتكررة للمخيم. في ذات المخيم وبعد قرابة ثلاثة أعوام من حادثة الاغتيال، قُتِلت صحفية أخرى هي شذى الصباغ لكن الاحتلال الإسرائيلي هذه المرة لم يكن بالمشهد! ما بين اتهامات عائلة شذى لأمن السلطة الفلسطينية الذي يقوم الآن بعملية مكثفة في مخيم جنين بقتل ابنتهم ونفي السلطة الفلسطينية أن تكون المتسببة في حادثة مقتل الصحفية، تظهر علامة استفهام كبرى: أين تقف السلطة الفلسطينية؟


قبل ما يزيد عن شهر بدأت السلطة الفلسطينية حملة عسكرية على مخيم جنين للقبض على من وصفتهم بالخارجين على القانون، وضربت حصارا على سكان المخيم تمثل في انقطاع المياه والكهرباء عن المخيم منذ اليوم الأول للحملة، جاءت تلك الحملة في أعقاب قيام السلطة الفلسطينية باعتقال شابين من مخيم جنين، مما أثار غضب كتيبة جنين التي قامت باحتجاز سيارات تابعة للشرطة كرهينة للمطالبة بالإفراج عن الشابين، وهو ما رفضته السلطة معلنة عن بدء حملتها على المخيم.


نتج عن تلك الحملة حتى الآن مقتل ١٢ فلسطينيا ما بين عناصر تابعة للأمن ومقاومين وصحفية واحدة، واعتقال عدد من الشباب من بينهم مطاردين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، ورغم إعلان المقاومة في كتيبة جنين أن بوصلتهم واضحة وأن سلاحهم موجه فقط صوب الاحتلال الإسرائيلي، فلا تزال قوى الأمن الفلسطينية مصرة على إنهاء الحالة المسلحة داخل مخيم جنين، ونزع السلاح هذا يتزامن مع قيام حكومة الاحتلال بتزويد المستوطنين بالأسلحة في جميع مدن الضفة الغربية، وتصاعد المواجهات بين المستوطنين والشباب المقاومين.


إن موقف السلطة الفلسطينية تجاه المقاومين في الضفة ومن قبل صمت بنادقها عن حرب الإبادة في غزة يعيد إلى الأذهان سؤالا قديما جديدا عن مدى انخراطها في “خطة فنزل”، الخطة التي تهدف إلى إنهاء المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وجعل السلطة أكثر صلابة في التعامل مع المقاومين الفلسطينيين.


“حماية وطن” هو الاسم الذي أطلقته قوى الأمن الفلسطينية على تلك الحملة، والسؤال هنا: أي وطن؟ وفلسطين كلها على شفا الضياع، فقطاع غزة وقد تكالبت عليه الدنيا وتركته وحيدا أمام احتلال لا يشبع من الدماء ولا يعرف سوى الخراب، فراح يرتكب المجازر واحدة تلو الأخرى والعالم يشاهد بصمت وعجز مخزيين حتى لم يبق فيه شارع ولا بيت إلا دُمر ولا إنسان إلا عرف الفقد.


والضفة الغربية وقد قُسمت بموجب اتفاقية أوسلو لثلاثة أجزاء: فجزء في يد الاحتلال أصلا ليس للسلطة حق فيه بموجب الاتفاقية وهو المنطقة ج، وجزء يتبعها إداريا فقط بينما السلطة الأمنية فيه للاحتلال وهو المنطقة ب، وجزء ثالث من المفترض أنه خاضع بالكامل للسلطة الفلسطينية وإن كان على الورق فاقتحامات الاحتلال المتكررة له توضح لأي طرف السيادة فيه وهو المنطقة أ.


وذلك الجزء هو الذي تحيط به مخططات الضم من كل جانب، ولم تعد تلك المخططات مختبئة خلف الجدران في غرف سرية، بل صارت تقال بملء الأفواه على الشاشات، فقد أعلن وزير مالية الاحتلال في أواخر عام 2024 المنصرم عن إعطاء تعليماته للبدء بإعداد البنية التحتية اللازمة لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وأن عام 2025 الجاري سيكون عام السيطرة على يهودا والسامرة، وبعدها نقل عن بنيامين نتنياهو أنه يعتزم طرح قضية ضم الضفة الغربية على الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب والتي من المرجح أن توافق على طلب إسرائيل، فلا يمكن إغفال هنا أن تلك الإدارة نفسها التي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالجولان المحتل جزءا من إسرائيل في مخالفة واضحة لكل القوانين الدولية.


قد يرى البعض هنا أن هذا السبب تحديدا هو ما دفع السلطة الفلسطينية للقيام بتلك الحملة، أي أنها تريد إبداء حسن النية وتقديم أوراق اعتمادها لدى الإدارة الأمريكية الجديدة آملة بذلك أن تحظى تلك الخطوة بتقدير كاف يعرقل خطوات الضم، إذ تؤكد بذلك التزامها بالحل الدبلوماسي والتنسيق الأمني مع الاحتلال، الأمر الذي يبدو أنه لم يقنع حكومة الاحتلال التي رفضت طلب الإدارة الأمريكية بتزويد السلطة الفلسطينية بأسلحة رشاشة فردية وكمية من السيارات المصفحة، فالاحتلال لا يثق بأي فلسطيني وإن نسَّق معه أمنيا وغض الطرف عن جرائمه.


وربما ما دفع السلطة الفلسطينية لتلك الخطوات هو الحديث المستمر عن قرب إتمام صفقة وقف إطلاق النار في غزة، والنقاش الدائر عن اليوم التالي للحرب وعن الإسناد المجتمعي لغزة، فلعلها أرادت بذلك إسكات الأصوات المتعالية التي تسأل: إن كنتم عاجزين عن إحكام السيطرة على منطقتي أ وب في الضفة فكيف يمكن أن تحكموا القبضة على غزة؟ أما عن رد المقاومة فقد قابلت فصائل المقاومة وجميع التيارات الفلسطينية المختلفة هذه الحملة باستنكار وغضب واسع، وأعلن سكان المخيم عن رفضهم تلك الحملة مطالبين السلطة بسحب قواتها، وعبروا عن ذلك الرفض من خلال تنظيم مظاهرات شعبية واضرابات تجارية مؤكدين أنه لا مستفيد من هذا الاقتتال الداخلي سوى الاحتلال.


إن السلطة بحملتها تلك تفتح جرحا جديد في الداخل الفلسطيني، وصم الآذان عن الدعوات المتواصلة للمصالحة وتوحيد الصف الفلسطيني في مقابل الاحتلال هو عبث سياسي ورهان خاسر جديد للسلطة، وإن كان ليس معروفا على وجه التحديد حتى الآن إلى أين ستؤؤل تلك الحملة الأمنية ولكن الأمر الأكيد أنه سواء نجحت أو فشلت تلك الحملة على جنين فإن كلفتها باهظة ولا أحد يدفع الثمن سوي الشعب الفلسطيني.

 

شارك

مقالات ذات صلة