آراء

ما بعد الأسد: بناء سوريا على أسس الإيمان والنهضة

ديسمبر 26, 2024

ما بعد الأسد: بناء سوريا على أسس الإيمان والنهضة

سقوط نظام بشار الأسد ليس مجرد نهاية لنظام استبدادي، بل هو بداية فصل جديد في تاريخ سوريا، فصل يحمل تحديات كبرى ولكنه أيضًا يفتح أبواب الأمل أمام بناء وطن جديد على أسس متينة. بعد سنوات طويلة من القمع والدمار، يقف الشعب السوري اليوم أمام مسؤولية عظيمة لإعادة بناء هويته واستعادة دوره المحوري في العالم الإسلامي، مستلهمًا من تاريخه العريق الذي يجعل من الشام قلبًا نابضًا للحضارة الإسلامية.


إن بناء سوريا الجديدة لا يمكن أن يبدأ فقط من الطموحات السياسية أو الاقتصادية، بل يجب أن يرسخ أولًا في بناء إيماني وأخلاقي عميق لأفراد المجتمع. فالأجيال التي نشأت تحت القصف وفي ظل القمع بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة وعيها، ليس فقط لإزالة آثار الظلم، بل لتنشئتها على قيم الإسلام الصحيحة التي تجمع بين العدل والإحسان، وبين القوة في الحق والثبات على المبادئ. قال الله تعالى: “إِنَّ ٱللَّهَ لَا يغير مَا بقوم حَتَّىٰ يغيروا مَا بِأَنفُسِهِم” (الرعد: 11)، ليؤكد أن أي تغيير حقيقي يبدأ من النفوس قبل الأنظمة.


من هنا، فإن الأولوية يجب أن تُعطى لبناء الأفراد والأسر على أسس متينة من الإيمان والأخلاق. يجب أن تكون حلقات تحفيظ القرآن الكريم في كل مسجد وحي مدرسة لتربية الأجيال على قيم الصدق والأمانة والشجاعة في نصرة الحق. هذه الحلقات لم تكن يومًا مجرد أماكن لتعليم التلاوة، بل كانت على مر التاريخ الإسلامي محاضن لتخريج العلماء والمصلحين والقادة. سوريا الجديدة تحتاج إلى هذا النموذج لبناء جيل يدرك مسؤوليته تجاه دينه وأمته.


إن الأطفال الذين نشأوا في ظروف الحرب بحاجة إلى إعادة تأهيل تربوي وروحي. يجب أن تكون مدارسهم بيئات إيمانية تعلمهم الأخلاق الإسلامية وتعزز لديهم قيم العمل الجماعي والإيثار. إن غرس حب القرآن والسنة في قلوبهم سيجعلهم أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة، وأكثر استعدادًا لقيادة المستقبل. هذه التنشئة الأخلاقية ليست رفاهية، بل هي شرط أساسي لإعادة بناء المجتمع السوري على أسس سليمة.


ولا يمكن الحديث عن بناء سوريا دون التذكير بمكانة الشام في التاريخ الإسلامي. لقد كانت الشام دائمًا مركزًا للحضارة الإسلامية، منها خرج العلماء والمجاهدون والقادة الذين صنعوا تاريخ الأمة. الشام هي الأرض التي قال عنها النبي ﷺ: “عليكم بالشام، فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه” (رواه الطبراني). هذه المكانة تجعل من سقوط النظام فرصة لإعادة إحياء دور الشام كمركز للإشعاع العلمي والفكري، ولتكون منارة للأمة في استعادة عزتها ومكانتها بين الأمم.


إن استحضار هذه المحورية ليس مجرد تذكير بالتاريخ، بل هو حافز للعمل الجاد لإعادة سوريا إلى موقعها الريادي. يجب أن تكون سوريا الجديدة مركزًا للعلم والثقافة، مكانًا يجتمع فيه العلماء والمفكرون لتقديم حلول حضارية لقضايا الأمة. ولتحقيق ذلك، يجب أن تكون هناك جهود مخلصة لإحياء التراث الإسلامي والحضاري للشام، وجعله منطلقًا لمشاريع النهضة.


التحدي الأكبر الذي سيواجه الشعب السوري بعد سقوط النظام هو مقاومة محاولات العودة إلى الفوضى أو الاستبداد بوجوه جديدة. إن التجارب السابقة علمتنا أن التسامح مع من أجرم في حق الأمة كان مدخلًا للثورات المضادة. لذا، يجب أن يكون العدل هو المبدأ الحاكم في المرحلة القادمة. المحاسبة العادلة لكل من ساهم في الظلم والفساد ليست خيارًا، بل ضرورة لبناء دولة تُحترم فيها الحقوق ويُصان فيها العدل.


إن هذه المرحلة ليست فقط لحظة للتخلص من آثار الماضي، بل هي فرصة لبناء مستقبل مشرق، مستقبل يقوم على الإيمان والعدالة والعلم. قال الله تعالى: “وَعَدَ ٱللَّهُ الذين ءَامَنُواْ منكم وَعَمِلُواْ الصّالحات ليستخلفنهم في الأرض” (النور: 55). هذا الوعد الإلهي يضع على عاتق كل فرد مسؤولية عظيمة في العمل لإعادة بناء سوريا التي تليق بتاريخها وأهلها.


إن ما بعد سقوط الأسد ليس مجرد لحظة احتفال، بل هو بداية لمسار طويل وشاق، يتطلب عزيمة صادقة ورؤية واضحة. يجب أن يكون بناء الإنسان هو الأولوية الأولى، وأن تكون الشام منارة للعلم والإيمان كما كانت دائمًا. سوريا الجديدة لن تُبنى إلا بسواعد أبنائها المؤمنين، الذين يحملون في قلوبهم حب هذا الوطن، وفي عقولهم رؤية لمستقبل أفضل.


شارك

مقالات ذات صلة