آراء

هل نظرية المستبد العادل هي المخرج لدولنا العربية؟

ديسمبر 23, 2024

هل نظرية المستبد العادل هي المخرج لدولنا العربية؟

يُعتبر لي كوان يو، مؤسس سنغافورة الحديثة، مثالًا ناجحًا على المستوى المؤسسي والاداري  بالرغم من حكمه الاستبدادي، فقد استطاع أن يحقق طفرة اقتصادية واجتماعية كبيرة لبلاده ، حيث ركز لي كوان يو على مكافحة الفساد، وفرض قوانين صارمة، وتعزيز التعليم والبنية التحتية ، ونجد أن بفضل سياساته الحازمة والعادلة، تحوّلت سنغافورة من دولة فقيرة تعاني من الفساد إلى واحدة من أكثر الدول تقدمًا وشفافية.

هذا الأمر يجعلنا نتساءل و خصوصاَ بعد التغييرات الحادة التي حصلت في الرقعة العربية و التي تمثلت في الثورات التي نادت بتغيير الأنظمة السياسية العربية كونها لم تكن على قدر التوقعات في تحمل مسؤولية إدارتها لتوفير سبل المعيشة الكريمة لأفراد شعوبها ، فرأينا الأمر في تونس و مصر وسوريا وليبيا و اليمن و غيرها .

ووجدنا أن أنظمة الدول العربية الأكثر في مؤشرات الفساد و ضعف التنمية البشرية يكون فيها الحكم قائماَ على الاستبداد المطلق والرجعي الغير قائم على كفاءة الأداء و جودة العمل و اختيار الأنسب لإدارة الأجهزة الحكومية والتنفيذية و نجد فيها أن التعيينات الحكومية لا تكون إلا  على معيار الطائفية و العرقية والعنصرية والباشوية و العسكرة وغيرها من المعايير غير العادلة  ، وفي الجانب الآخر نجد أن أكثر الدول العربية إستقراراَ في المعدلات التنموية الاقتصادية ومعدلات الشفافية و الحوكمة  مثل دول الخليج لا تسمح فيها الأنظمة بالخروج عن رأي السلطة الأوحد إلا أنها تتمتع بقدر جيد في الاهتمام بمصلحة المواطنين و البنية التحتية و توفير سبل العيش الكريم للمواطن الخليجي ونجد المواطن لا يمتعض من استبدادية الدولة في الحكم و اتخاذ القرارات الاستراتيجية في الغالب ما دامت توفر له احتياجاته الأساسية و العيش الكريم  .

وعوداَ على ما حصل الآن من تبدل للوضع السياسي في سوريا، و ظهور جماعات تنادي بالديمقراطية و الانفتاح و رفض كل رأي يتبناه الآخرون ولو كانوا أكثرية و خصوصا الرأي الذي ينادي بعلمانية الدولة في حين أن من قام بالتضحيات هم الإسلاميين و هذا يعرفه كل مراقب للشأن السوري ، نجد أن هناك الكثير من التجاذبات بين الاسلاميين و من وافقهم في ضرورة الحزم مع الطرف الآخر و يتخذوا من حجة القيام بالثورة العسكرية ضد النظام السابق دلالة على حقهم في ادارة المشهد و بين خصومهم الذين ينادون بعلمنة الدولة دون النظر الى حيثيات الحكم والادارة و ما تؤول اليه الادارة الجديدة  .

فعندما تراقب هذه الحالة التي تتعلق بالعرب والفكر العربي تجد أن الاستبداد هو الملجم للأفواه، و أن الديمقراطية داعية للفتنة و الفرقة و أن يتحدث كل فرد بكل شأن  يسبب تأخر الأمر في من يرى ضرورة التفرغ للإصلاحات الشاملة .

وحتى نسدد و نقارب ، لعل أقرب النظريات السياسية الناجحة في الحكم و الادارة في البيئة العربية بالذات  هي “نظرية المستبد العادل ” و هي فكرة سياسية تُشير إلى أن الحاكم يمكن أن يمتلك سلطة مطلقة ويستخدمها لتحقيق العدالة والتنمية والإصلاح دون أن يسمح بالمشاركة السياسية أو الديمقراطية الكاملة ، وهذه النظرية تستند  إلى افتراض أن بعض المجتمعات قد تكون غير مستعدة للديمقراطية بسبب الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، وبالتالي فإن الاستبداد المؤقت والعادل يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق التقدم والاستقرار السريع . نعم .. رغم ذلك، فإن هذه النظرية قد تحمل العديد من المخاطر والتخوف التي تجعلها في أعين البعض غير مثالية أو مستدامة على المدى الطويل وليس المدى القريب.

ومن باب الإطمئنان و حتى نتجنب هذه العيوب ، ينبغي وضع رقابة مؤسسية فعّالة تضمن استقلالية القضاء، بحيث يكون قادرًا على محاسبة الحاكم عند إساءة استخدام السلطة. كذلك يجب إنشاء هيئات رقابية مستقلة تتابع أداء الحكومة وتكشف أي فساد أو تجاوزات، مما يحفظ توازن السلطة ويمنع استبداد الحاكم.

ولا ننسى أن الشفافية عامل أساسي في معالجة مخاطر هذا الأسلوب الناجح في البيئة العربية ، إذ يجب إلزام الحاكم بالإفصاح عن قراراته وسياساته بشكل علني، وتوضيح أهداف تلك القرارات ودوافعها ، من خلال إشراك المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مراقبة أداء الحكومة،

فالتدرج نحو الديمقراطية هو أحد الحلول المهمة لمعالجة مخاطر نظرية المستبد العادل “الناجحة في البيئة العربية” ، ويمكن البدء بتنفيذ إصلاحات سياسية تدريجية تؤهل المجتمع للمشاركة الديمقراطية على مراحل وليس مرحلة واحدة وتكون مقننة و لا ينخرط فيها الا ذوي العقول و المؤهلات الحكمية في القانون والادارة والسياسية و الفكر .

ونتذكر دائماَ أن مطالب الشعوب العربية في ظل الاستبداد العنيف والظالم نجدها تلتف فقط حول العيش الكريم وأن تنعم بالأمن فقط  و إن نعمت بالحرية يوماَ  نجد أنها تترك كل شيء و تذهب الى الغلو في إستيفاء كل المطالب و لو كانت غير محقة و غير عقلانية .

شارك

مقالات ذات صلة