سياسة

سلطة رام الله تثبت دورها: “جزازة عشب” لصالح الاحتلال في “جنين”

ديسمبر 22, 2024

سلطة رام الله تثبت دورها: “جزازة عشب” لصالح الاحتلال في “جنين”


“ولك عمين بتطخ.. روح تشاطر على المستوطنين إلي بدعسوا عليكم”.. كانت هذه الصرخة التي صدح بها شاب من مخيم جنين في وجوه أجهزة “سلطة رام الله” المُدربين على يد الضباط الأمريكيين٬ خلال حملتهم العسكرية المستمرة ضد خلايا المقاومة في المخيم٬ صرخة تلخص كل الحكاية٬ وهي كافية لتوضيح أي بنادق الفريقين يبغضها الاحتلال٬ “بنادق المستضعفين” أم “بنادق المأجورين”.


منذ مطلع ديسمبر 2024 تشن أجهزة السلطة الفلسطينية حملة عسكرية واسعة وحصاراً مطبقاً ضد مخيم جنين الذي كان على الدوام “شوكة في حلق التنين”٬ وعجزت كل حملات الاحتلال وعملياته العسكرية المكثفة خلال السنوات الأخيرة في اجتثاث حالة المقاومة وروحها منه٬ حتى بات ينظر له كأنه امتداد طبيعي لغزة٬ مخيم يرفض منذ وقت طويل الهزيمة أو رفع الراية البيضاء٬ وذاق فيه الاحتلال الويلات مرات ومرات٬ تماماً كالتي يذوقها كل يوم في معسكر جباليا أو غيره من مخيمات غزة ومعاقل المقاومة فيها.


تحاول السلطة الفاقدة للشرعية اجتثاث حالة المقاومة في شمال الضفة بدعم أمريكي وإقليمي علني٬ على أن يكون أقصى طموحها أن تتحول إلى “جزازة عشب” لدى جيش الاحتلال العاجز عن حسم المعركة في جنين أو مخيمات شمال الضفة٬ رغم الاجتياحات المتكررة والاغتيالات للمقاومين التي لم تتوقف منذ عام 2021 وحتى الآن.


ولا يوجد أي غرابة في حالة الرضا الإسرائيلي عن هذه العملية التي تتم بتنسيق وتعاون كامل مع الاحتلال تحت إشراف “منسق الأمن الأمريكي” الجنرال مايكل فينزل، الذي وضع خطتها منذ فبراير/ شباط 2023 في اجتماع العقبة٬ وراجعها مؤخراً مع قادة أجهزة أمن السلطة٬ بل وحدد لهم المعدات والذخائر التي يحتاجونها في مواجهة الشبان المقاومين في جنين. فيما يدرس جيش الاحتلال تقديم دعم عسكري إضافي للسلطة بحسب ما كشفت صحيفة “هآرتس” مؤخراً لتكثيف عمليتها ضد “الخارجين عن القانون” في جنين وشمال الضفة٬ وهذا التكتيك ينسجم مع استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد تعتمد على إدارة الصراع بدلاً من حله، مع ضمان استمرار الهيمنة الأمنية.


وبحسب موقع “أكسيوس” يعترف قادة السلطة بأن العملية في جنين “تشكل لحظة حاسمة بالنسبة للسلطة الفلسطينية ومستقبلها”٬ لكن لا يعلم هؤلاء أن السلطة قد تسير بأقدامها نحو نهايتها من حيث تظن أن ما تقوم به هو سبيل نجاتها٬ تماماً كما فعل “جيش لبنان الجنوبي” أو جيش “لحد” في جنوب لبنان٬ وكلنا نعلم كيف كانت نهايته عام 2000. اليوم، تبدو السلطة وكأنها تكرار لهذا النموذج، بعدما أصبحت تستبيح دماء الفلسطينيين إلى جانب الاحتلال٬ دون أن يرف لها جفن.


وسط هذه الحملة، لا يمكن تجاهل المتغيرات الإقليمية التي تلقي بظلالها على المشهد الفلسطيني بعد “طوفان الأقصى”٬ حيث لا تُخف السلطة بأن يكون مصيرها كمصير نظام الأسد المخلوع في سوريا٬ وأن يتفتح ما قامت به الحركات الإسلامية المسلحة هناك مخيال المجموعات المسلحة بالضفة لإسقاطها. تخشى السلطة لحظة الانفجار القادمة بالضفة على جميع الأحوال٬ نظراً لما قد تؤول إليه الأوضاع بعد انتهاء حرب الإبادة في غزة٬ حيث تسابق الزمن للحصول على قبول دولي يطيل عمرها في المرحلة القادمة.


لكن هذه الحسابات تبدو قصيرة النظر. تعلم السلطة أنها فاقدة للشرعية منذ وقت طويل٬ وقد عزز “طوفان الأقصى” حالة الموات هذه٬ وتظن العصابة المتحصنة داخل أسوار مقاطعة رام الله أنه لا سبيل لإنقاذ ما تبقى من الجسد المريض قبل دفنه٬ إلا بتقديم أقصى فروض الطاعة لنتنياهو٬ بإظهار قدرتها على التجدد وفرض النظام والسيطرة على مناطق خرجت فعلياً عن سيطرتها منذ سنوات، في ظل تنامي حالة المقاومة المسلحة التي تحاول صد هجمات جيش الاحتلال والمستوطنين واقتحاماتهم وعربدتهم ليل نهار على الفلسطينيين٬ والتي تشمل عمليات القتل العشوائي وحرق المنازل والمزارع والممتلكات وسرق الأراضي وتوسيع عمليات الاستيطان٬ وهذه هي المهمة التي كان من المفترض أن تقوم بها أجهزة السلطة وينتظرها الفلسطينيون منها بالضفة الغربية٬ لكن ما يحصل هو أن سلطة رام الله تحولت لشركة أمنية طيّعة في يد “إسرائيل”٬ وخنجراً مسموماً يطعن به الاحتلال ظهور الفلسطينيين كل يوم.


يراهن الاحتلال الذي لا تعنيه السلطة ومستقبلها بقدر ما يعنيه التوسع الاستيطاني بالضفة٬ على نجاح هذه الحملة الأمنية في تصفية المقاومة، لكنه يغفل أن المقاومة ليست مجرد خلايا مسلحة متناثرة هنا أو هناك، بل هي حالة شعبية متجذرة ترفض الفناء٬ ولا يمكن توصيف ما يحدث في مخيم جنين اليوم إلا أنه معركة فاصلة على هوية المشروع الوطني الفلسطيني ومستقبله وخياراته٬ حيث وضعت السلطة نفسها في مواجهة مباشرة مع قطاع واسع من الشعب الفلسطيني الذي يرفض أن تكون السلطة أداة لقمعه وسحقه. ولا شك أن السلطة بفعلها هذا تسير بقدميها نحو انتحار مشروعها٬ الذي لم يُصمم منذ اليوم الأول إلا لإرضاء الاحتلال وتحقيق أمن مستوطنيه.



شارك

مقالات ذات صلة