كيف يصبحُ الإنسانُ ملائكياً؟ ولا أقصد في سؤالي (كيف يتحول الإنسان إلى ملاك)، بل كيف ينتقل من ظُلمة الطين إلى نور الروح، فيقارب بذلك نورانية الملائكة، ولو سألني أحدهم هذا السؤال لقلتُ: “كُنْ مثل خالد نبهان أو (روح الروح) كما يحبّ الناس مناداته”.
كلّنا نعرف أنّ روح الروح هو مصطلح عشقيّ، ويعبّر كيف أنَّ الروح والتي هي خلاصة الحياة في الجسد كأنّ لها روحاً أخرى تتنفسُ من خلالها، وهذا يدلّ على منتهى العشق وأعلى مقامات التماهي فيه، ولكنّ الجدّ خالد أظهر جماله الفائق بطريقةٍ مختلفة حتى العشاق والفلاسفة والشعراء والرسّامين والنحّاتين لم ينتبهوا له، وهي (ريم) الحفيدة التي شكّلت في هوّيته الروحية مرادفاً لمصطلحه (روح الروح).
ليحبّ العالم كلّه الجدّ وريم، ويتمنى المشاهد لأي فيديو للجدّ خالد وهو يلاعب حفيدته ويضعها فوق دراجته حيناً ويجدّل لها شَعرها حيناً آخر، أنْ يوقظ ريم من موتها ليحضنها جدّها من جديد، رأفةً بهذا الحبّ الكبير والذي تجاوز كل الكلمات التي يمكن أن أعبّر بها. كان يكفي أن تحبّ ريم بكل هذا الحنان يا جدّ خالد، ليحبّك كل شخص في هذا العالم.
(ينتصر الموت من أجل العشاق) هكذا يتراءى لي، وهو يأخذ بيد الجدّ خالد إلى عوالم النور ليحضن ريم بحقّ وليعيش معها للأبد، بعيداً عن القصف والدمار واللوعة والعذابات المتتالية التي مازلنا نتنفسها تحت الحرب. وأخيراً أصبح لخالد أجنحة مثل ريم، وهما الآن يطيران بسعادة وفرح، بينما يغرق العالم الظالم والكيان الصهيوني بدمنا وقهرنا وإعدامه للإنسانية التي كانت تتناسل كسنابل قمح في عيون أبي ضياء.
لا يوجد مصوّر في الجنّة ليصوّر لقاء خالد وريم، لكننا نستطيع أن نتخيله بكل جوارحنا، ونعلم الآن أنّ الشهادة هي سيّدة اللقاءات وعنوان الأبدية، وأنّ هنالك أحباباً كثيرين لنا ينتظروننا في العالم الآخر الذي يخلو من الوصب والنصب.
تنتصر صورة (روح الروح) صاحب العمامة والذقن والجلابية، الرجل البسيط الرقراق الذي ما أن تستمع إليه حتّى تظنّ كأنّ سكينةً إلهية تنزّلت على قلبك، وَيْ كأنّ هذا اللطف الذي في كلماته وفي محياه هو هبة الله لخاصته من المؤمنين، لقد تركت لنا إرثاً عظيما من الجمال يا خالد، نستطيع أن نوقد به ألف شمعةٍ في الظلام وليس شمعة واحدة.
ولقد قلت للعالم رسالتك، سرُّ القَبول في الأرض شيءٌ ما في القلب، وأنّ كل الصور النمطية لشكل الرجل المسلم والطعن فيها باءت بالفشل عند أقدامك التي تسعى في الخير، تلك الأقدام التي ركضت وراء ريم كثيراً وهو يبحث عنها في لعبة الغميضة، والآن يركض برفقتها في جنان النعيم.
(كيف يصبح الإنسان محبوباً إلى هذا الحدّ؟) فتشعر كأنّما الحجر والشجر يبكيان عليه، وجدت الإجابة في كلمات للجدّ خالد نبهان وهو يقول (سلامة الصدر) ووالله لا أجد سرّ محبتك التي طافت الدنيا سوى (سلامة صدرك) وكأنّ هذا القول يذكّرني بقول لسيدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتحدث عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه قائلاً عنه: ” ما سبقكم بعمل، ولكن لشيءٍ ما في قلبه”.
هنيئاً لك يا خالد، لقد انتصر إيمانك على قبح الاحتلال وجرائمه، وانتصرت إنسانيتك على عدوانيتهم وانتصر صبرك على طغيانهم، وانتصرت (ريمك) على دباباتهم يوم أن احتسبتها لوجه الله عز وجلّ، فما أعظم مرتقاك وما أعظم اصطفاءك، والسلام عليك يوم تلقى (الريم) حيّاً يا وجه فلسطين الخالد، والحمد لله ربّ العالمين.