مدونات

الإنسانية مقارنةً بالواقع، هل تبقّى منها شيء؟ 

ديسمبر 16, 2024

الإنسانية مقارنةً بالواقع، هل تبقّى منها شيء؟ 

الكاتبة: نور الهدى محمد بدران

 

حين نعود إلى أصل الكلمة، “الإنسانية”، نجد فيها دفئًا يعانق الروح، نرى صورةً مثالية يجتمع فيها العالم على الخير، يتقاسمون الأحلام والآلام، يدًا بيد وقلبًا بقلب.

 

لكن عندما نستيقظ من هذا الحلم الجميل، نجد أنفسنا أمام واقعٍ صادم! واقع تنفطر له القلوب وتسأل فيه الإنسانية نفسها، هل تبقى منها شيء؟

 

في غزّة، حيث السماء تملؤها طائرات القصف بدلًا من غيوم الشتاء، يختنق الأمل بين جدران البيوت المُهدّمة. أطفالٌ ينامون على أصوات الصراخ والانفجارات، ويُحاصَرون بالخُذلان العالمي. مَن كان يُفترض منه أن يَمُدَّ لهم يد العون، اختار الصمت، أو أسوأ من ذلك..  الإنسانية هناك ليست إلّا شعارًا أجوفًا غائبًا بين رُكامِ الدّمار.

 

وفي سوريا، الوطن الذي كان يُغنّى له بِجنّة الأرض، تحوّل إلى مسرحٍ مأساويٍّ للدماء والدموع. وجوهٌ كانت مُشرقة بالأمل انطفأت تحت ثُقل السجون والتعذيب. هناك، تُعرّي الحياة قسوتها، حيث يُدفن الطفل تحت التراب قبل أن يتعلّم حتى نطق اسمه!

 

هل سأل أحدنا يومًا، أين الإنسانية عندما يتحوّل الخبز إلى حلمٍ بعيد المنال؟

 

لا تنحصر هذه المعاناة في غزّة وسوريا فقط؛ ففي إفريقيا، حيث يموت الأطفال عطشًا بينما تُهدر الموارد في سباق التسليح،  وفي مخيمات اللجوء التي أصبحت أوطانًا “مؤقتة” لآلاف الأرواح التائهة. كل زاوية من العالم تحمل وجعها الخاص، وصرخة غير مسموعة تتساءل، “أين أنتم يا بشر؟”

 

ورغم كُلّ هذا، لا يُمكننا الإنكار بأنّ الإنسانية لم تمت تمامًا؛ فهناك أيدٍ تمتدّ في الظلام، وقلوبٌ تُضيء الطريق، وأُناسٌ يرفضون الخضوع لليأس، أولئك الذين دائمًا ما يُسارِعون لإطعام الجائع، لإيواء من لا بيت له، لإيصال صوت المقهور.

 

 الإنسانية ليست مفقودة.. لكنّها مُختبئة، تحتاج مِنّا جميعًا أن نبحث عنها ونُحييها. الواقع قاسٍ، لكنّها ليست النهاية.

 

 الإنسانية ليست مجرد كلمة أو فكرة؛ هي فعل، وهي قرار، هي أن نتجاوز صمتنا وخوفنا، أن نَتجرّأ على أن نكون صوتًا للحق في عالمٍ يَضُجُّ بالكذب والتضليل. فليكن هذا المقال، وهذه الكلمات، بدايةً لدعوة إلى الفعل، لأنّنا إذا خسرنا إنسانيتنا، فما الذي سَيَتبقّى لنا؟


شارك

مقالات ذات صلة