آراء

عندما تسقط الديكتاتورية.. كيف تنهض المؤسسات في سوريا؟

ديسمبر 16, 2024

عندما تسقط الديكتاتورية.. كيف تنهض المؤسسات في سوريا؟

 

 

“إذا أردت أن تبني دولة قوية، فابدأ ببناء مؤسسات عادلة ونزيهة “. تتجلى حكمة مانديلا دائماَ في كل مرحلة تعقب سقوط الأنظمة المستبدة، فالدول التي تمر بمرحلة ما بعد سقوط النظام – كما هو الحال في النموذج السوري بعد سقوط حكم عائلة الأسد – تواجه تحديات إدارية معقدة تتطلب إعادة بناء مؤسساتها على أسس سليمة وفعّالة لضمان استقرار الدولة ” الجديدة ” وتعزيز الحوكمة الرشيدة فيها. 

 

لذلك نجد في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة، أن استعادة ” الثقة المؤسسية” بين الدولة الجديدة والمواطنين تعد أبرز التحديات التي يجدها الثوار حاليا في سوريا، فالأمر يتطلب ذلك إجراءات فورية تتسم بالشفافية والعدالة، مثل إنشاء لجان مستقلة لمكافحة الفساد، وضمان حق المساءلة والمحاسبة ، فتعزيز الشفافية المؤسسية يُعد خطوة ضرورية لبناء ثقة الجمهور السوري بالنظام الجديد والسعي لمحو آثار الفساد الاداري الذي خلفته حكومة الأسد والتي أضعفت أركان الدولة السورية. 

 

ففي هذا السياق، يتعين على السوريين إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، وهو أمر أساسي لتحديد الأدوار والمهام بوضوح، وخلق هياكل تنظيمية مرنة وقادرة على التكيف مع المتغيرات السريعة و الحادة بعد سقوط النظام السابق . فالإدارة الرشيقة نموذج فعال في هذا الصدد، حيث تُقلل البيروقراطية وتُعزز سرعة الاستجابة وفعالية الأداء، وذلك يُساعد في تجاوز الفوضى الإدارية وتحقيق الاستقرار المؤسسي بأسرع وقت ممكن.

 

لا ننسى أن بناء الكفاءات البشرية وتبنيها و تصديرها للمشهد الآن يأتي في مقدمة الأولويات التي يجب أن تكون في ذهنية النظام الجديد في سوريا. 


ففي كثير من الأحيان، تكون الكفاءات الإدارية السورية قد تآكلت بسبب هجرة العقول أو التهميش المتعمد أو الملاحقات الأمنية التي تعرضت لها الكفاءات السورية خلال الفترات السابقة من حكم الأسد . لذلك أرى من الضروري الاستثمار في برامج تدريبية مكثفة وتطوير مستمر للموظفين السوريين لضمان جاهزيتهم لإدارة المؤسسات الحكومية السورية بكفاءة وفعالية. 

 

وأيضاَ يكون التركيز مهما على تطبيق ممارسات إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية لخلق تحسين وتطوير لمهارات القيادة الادارية للمرشحين لقيادة المشهد السياسي و الحكومي القادم في دمشق، والسعي الى تعزيز القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة والحكيمة التي من شأنها تحقيق الأهداف المؤسسية للحكومة السورية الجديدة . وعلاوة على ذلك، فإن تحقيق الاستقرار السياسي والأمني يُعتبر شرطًا أساسيًا لأي عملية بناء مؤسسي ناجحة.

 

يتطلب ذلك وضع إطار سياسي توافقي يضمن مشاركة جميع الأطياف السورية بتنوعها دون إقصاء لأي طرف سوري ، وهذا الأمر يعزز سيادة القانون وفرض الأمن، فغياب الاستقرار يؤدي بلا شك إلى تراجع الأداء الإداري وتعطيل التنمية في الدولة السورية الجديدة.

 

ويجب التركيز على أن مرحلة ما بعد سقوط النظام، قد يكون من الضروري تبني “اللامركزية” كمنهج إداري قويم لإعادة توزيع السلطة والصلاحيات وتبني فلسفة التمكين والتفويض الفعال لإدارة الموارد بشكل عادل بين السوريين . فهذا النهج يتيح للحكومة المحلية في سوريا تقديم خدمات أكثر فعالية واستجابة لاحتياجات المواطنين، مما يعزز مبدأ المسؤولية المحلية ويشجع على الابتكار الإداري في وضع الحلول المناسبة لكل مشكلة حالية و مستقبلية.

 

ومن ناحية أخرى، تُعد الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد من الركائز الأساسية لبناء مؤسسات قوية. وهذا الأمر الجلل يتطلب اعتماد معايير الشفافية والمساءلة والمشاركة الشعبية ” العقلانية” في صنع القرار، ولا يمنع التوجه لاحقاَ الى إنشاء هيئات رقابية مستقلة واستخدام التكنولوجيا لتعزيز النزاهة والشفافية.


فالأزمات التي تواجه سوريا بعد سنوات من الصراع ليست مجرد تحديات عابرة؛ بل هي عوامل متشابكة تتطلب إدارة فعّالة ومتكاملة لإعادة بناء الدولة من جديد. ومن الضروري أن تتبنى العقليات الحاكمة على المؤسسات السورية المستقبلية استراتيجيات إدارية حديثة مثل الإدارة الرشيقة والحوكمة الرشيدة لضمان نجاح عملية إعادة البناء. إن بناء دولة قوية ومستقرة يستدعي وجود مؤسسات عادلة وشفافة تعمل بكفاءة، وتقدم خدمات فعّالة للمواطنين.

 

وعلى السوريين في هذه المرحلة الحساسة أن يتحدوا لبناء بيئة عمل آمنة تشجع على الابتكار والعدالة والمساءلة، بعيدًا عن الفساد والمحسوبيات والصراعات التي أضعفت الدولة سابقًا ، فالتغلب على هذه التحديات والإصرار على بناء مؤسسات قوية وفعّالة هو السبيل لتحقيق التنمية المستدامة وضمان استقرار سوريا ومستقبلها المشرق، ليعود وطنهم كما كان منارة للحضارة والتقدم.



شارك

مقالات ذات صلة