مدونات
الكاتبة: سعاد محبوبي
في بداية أحداث التحرير، أي تحرير المدن السورية المحتلة من قبل نظام الطاغية الذي أخذ من صفات الأسد المكر وسقطت عنه صفة الشجاعة والإقدام. كنت غير مصدقة لما يحدث، هل حقاً ما يُنشَر صحيح على منصات التواصل الاجتماعي؟ هل ستتنفس سوريا الحرية؟ هل ستطير العصافير المسجونة تحت الأرض بأميال عميقة؟ هل ستعود لنا دمشق وحلب ودرعا منبع الثورة؟كلها أسئلة لم أتمكن من تخيل الرد الإيجابيّ عنها، فكيف بأن تتحقق؟! لكنها تحققت، ولله الحمد والفضل كله.
أنا الآن، أشعر وكأنني في حُلم. أتمنى ألاّ يوقظني أحد منه! اليوم، حينما وصل الجيش الحُر مدينة الحُب “دمشق”، كل ما فيّ بكى فرحاً بفَتحٍ طال انتظاره! دعونا نَعُد بخمسة عشر سنة قبل فَتح الثامن من ديسمبر 2024 المبارك، حيث لم يكن الحُكم في بلاد الياسمين طيلة الخمسين سنة عادياً. حصل أن أعدَم الحاكم الظالم، الطموح في أنفُس الشباب، وثكّل أحلام الأطفال، بينما نال من النساء الثائرات باستباحة أجسادهن الهزيلة على مدار السنوات الخمسة عشر، يا للقهر! نظام همجيّ لا يجيد وسيلة تواصل غير القمع والتعذيب والاعتداء النفسيّ والجسديّ على كل مَن قال بصوت مرتفع “لا إله إلا الله”.
كنت أعتقد بأن الطّوطَمية (عبادة رموز من قوِى الطبيعة كالحيوانات) زمن قد ولّى. هل يمكن للمرء أن يصدق بأن زبانيّة الطاغية بشار، كانوا يعبدونه ويتخذونه إلهاً حقيقياً ؟ كَبّروه في أنفسهم إلى أن أصبح عندهم أكبر مِن مَن خلقهم وخَلَقه “الله، عزوجل”. إن الثورة التي بدأت بدفن رجل وهو حَي، فقط لأنه لم يقل لا إله إلا “بشار”، وترويعٍ لأطفال صِغار كتبوا على الحائط “يسقط بشار”، وسحلهم بالضرب والتهديد بالذبح في مشاهد ترتعد لها الأوصال!
إنها لثورة مشروعة جداً، وليس منا سوى أن نباركها ونشد على أيادي “الساروت” وإخوانه الثوار الذين قالوا للفاجر هذا يومك لتحاسَب فيه على جرائمك، كفى ذُلاًّ واستبداداً! ثم بعد ثورة كان عنوانها “الله سوريا حرية وبس” ، اصطاد كلاب الحاكم السّاقِط فريستهم. وبحقد دفين على كل من -تَجرأ- أن يخرج للشارع ويصدع بصوت عالي “يلعن روحك يا بشار”.
بدأوا حينئذ سلسلة اختطافات لكل مَن شارك في ثورة درعا، وهناك منهم من لم يشارك فيها، واعتُقِل فقط لأن لديه درجة علمية عالية يحتاج إلى خدماتها السّجّان الكافر ! كالأسيرة فاتن رجب فواز ، الحاصلة على درجة الدكتوراه في الفيزياء وعلوم الذرة، من دوما بريف دمشق.
نقلت عدة تقارير حقوقية عن شهادات لمعتقلات مفرج عنهن قد التقوا بالدكتورة فاتن داخل السجن أنها تعرضت لأنواع قاسية جداً من التعذيب، منها الإبر الكيميائية في الرأس! تتحدث تلك الشهادات أيضاً عن تدهور حالتها الصحية بسبب التعذيب الوحشيّ، وتعرضها لنوبات صرع مستمرة، ونزيف في الأنف والأذنين مما استدعى تدخلا طبيا عاجلاً، إلا أنها لم تُعرَض على الأطباء ولو لمرة واحدة.
لتنقطع أخبارها بعد نقلها إلى فرع 215، أحد الفروع الأشد رُعباً في سجون الأسد، المُستبِد! عُرف الأَسر يقول: الرجال يُعذبون حد الموت، والنساء يَدخلن المعتقل عازبات فيخرُجن أمهات لأطفال مجهولي الأب! بينما يواجه الأطفال مصيرهم الغامض بين أربعة جدران شديدة الظلام. وهكذا، تدور عجلة الزمن، لتؤكد أن الطغاة وإن تجبروا، فإن موعدهم الحق آتٍ لا محالة.
اليوم، تكسرت قيود الأسرى، وطار الحمام الذي حُبس تحت الأرض. أظهرت بأن سوريا الفَيْحاء فوق الأرض ليست هي نفسها سوريا التي اكتشفها الثوار تحت الأرض يوم 8 من كانون الثاني! هذا يوم الحرية، يوم يُرفع فيه صوت المظلوم فوق أصوات جلاّديه. فليشهد العالم أن السوريّ الذي أشعل فتيل الانتفاضة سنة 2011 حينما مات وهو يردد أن “لا إله إلا الله” وانتفض للحق، قد كتب بدمائه تاريخاً جديداً للكرامة. لله المُلك والقُوة، وبيده وَحده يَنقشِع الظلم وتُزهر بلاد الياسمين من جديد.