أدب

من قاموس اللغة: كيف عبر العرب عن حمْلِ الإبلِ ونِتاجها؟

ديسمبر 6, 2024

من قاموس اللغة: كيف عبر العرب عن حمْلِ الإبلِ ونِتاجها؟

 

 النِّـتاجُ اسم جامع للولادة في جميعِ البهائِمِ، والناقة إذا وضعتْ (أي ولدَتْ) فذلك الوضع هو النتاج، وقد أتقنت العرب هذا المجال وتفننت في تسمية احتمالاته، وسأعرض لكم بعض ذلك في هذا المقال.


أجود وقتٍ تلقح فيه الناقة هو أن تُـترك سنة، ثم يحملَ عليها الفحل، فتقول حينئذ: أضرب الفحل الناقة وضربها، وأُضرِبَت الناقة وضربت، والمصدر الضِّراب. فإذا كانت الناقة تُضرب كل عام فإن هذه العادة تسمى الكِشاف. فإذا اعترض الفحل الناقة وأرغمها وهيأها ليَضْربها، فهذا الضراب يسمى العِراض. وإذا لقحت الناقة من ذلك العراض قيل إنها لقحت يَعارة وهو مما تُحمد به الإبل، ومن ذلك قول الراعي:

نجائب لا يلقَحن إلا يعارة – عراضا ولا يُشرين إلا غواليا

وقد أخذ الطرماح هذا من الراعي فقال:

أضمرتْهُ عشرين يوما ونيلت – حين نيلت يعارة في عراضِ


وإذا ضرب الفحل الناقة على غير ضبَعَة (أي على غير شهوة منها)، فقد بسَرَها بسرا، ومنه قيل للرجل الذي يطلب حاجته في غير موضعها: لا تبسُر حاجتك.

والضبَعة هي إرادة الناقةِ الفحلَ، أي أن ترغب الناقة في الضِّراب، ولذلك علامة وهي أن تُقرِّب خُفّها من عضدها في السير، فنقول ضبِعت الناقة ضبعة، ومن ذلك قول الشاعر:

فليت لهم أجري جميعا وأصبحت – بي البازل الوجناء بالرمل تضبَعُ

والناقة إذا لم تكن ضابعًا، أي لم تكن تريد الفحل، فهي مبسورة. فالإبل على هذا التصنيف هي ضوابع: أي راغبات في الضراب، ومبسورات: أي زاهدات في الضراب.

أما الفحل فإذا اشتد هيْجُه قيل قطِم يقطَم قطَما، وهاج يهيج هِياجاً.


وإذا كان الفحل سريع الإلقاح، يُلقح من أول قَرعة، قيل: فحل قبيس وقبَسٌ بيِّنُ القباسة، وفي المثل: لَقْوةٌ صادفت قبيسا، واللقوة هي السريعة الحمل، يضرب مثلا للأمر تتهيأ أسباب وقوعه.

وعكس الفحل القبيسِ هو الفحل المليخ، فالمليخ هو البطيء الإلقاح، وقيل بل المليخ هو العاجز عن الإلقاح.


بالنسبة للناقة، إذا انتهى الفحل من ضرابها، قيل هي الآن في “مُنيَتها”، والمنية للبكر هي عشر ليال بعد الضراب حتى يستبين لقاحها. وبعد انقضاء المنية، إما أن تكون الناقة لاقحا: أي قد حملت، وإما أن تكون حائلا: أي لم تحمل. فإن كانت حائلا، انكسَر ذنبها وبالت على الهيئة التي كانت تبول عليها، وإن كانت لاقحا، زمَّت بأنفها: أي رفعت رأسها، وشالت بذنبها: أي جعلت ذنبها كالقوس، وأوزغت ببولها إيزاغا: أي قطَّعت بولها دُفعة دُفعة، فهي حينئذ شائل، وليست الشائل مثل الشائلة لأن الشائلة تطلق على الناقة إذا جف ضَرعها وقل لبنها، أما الشائل فهي الناقة التي تظهر عليها أعراض الحمل. يقول غيلان في أعراض الحمل لدى الإبل:

إذا ما دعاها أوزغت بكراتها – كإيزاغ آثار المُدَى في الترائب


شبه دُفَع البول التي تخرج من حياء الناقة بدُفَعِ الدم التي تخرج من نحر البعير من تريبته حين يُطعن بالمدى (جمع مُدْية التي هي الشفرة)، فدُفع الدم تلك هي مثل دفع البول التي تخرج من الناقة الشائل.


هذه العلامات (علامات حمل الناقة)،قد تظهر على الناقة فيُظنُّ أنها لاقح، بينما يكون حملها “حملا كاذبا”، فنقول في هذه الحالة رجَعت الناقةُ تَرْجِع رِجاعاً ، فهي راجِع وذلك لأنها أَخْلَفت بوعدها فكأنها رجَعت عما رُجِيَ منها، فهي إذن ناقة راجع ومُخلِف. وبعض أهل الخبرة إذا ظهرت علامات الحمل على الناقة ولم يكن واثقا بتلك العلامات، عرض الناقة على الفحل لينظر هل هي حائل أم لاقح، وهذه العملية تسمى: البور، فالناقة حينئذ تبار على الفحل.


إذا استبان حمل الناقة، فابتداء حملها هو القروح فتقول قرَحت الناقة تقرَح. فإذا ثبت لَقاحها فهي خَلِفَة، فلا تزال خلفة إلى أن تبلغ عشَرة أشهر، فهي حينئذ عُشَراء قد عشّرت، وهي من إبل عِشار. فإذا عظم البطن واستبان فيه الولد قيل قد أرأتْ الناقة فهي مُرْءٍ.


أما نِتاج الناقة، فإذا ألقت الناقة ولدها قبل أن ينبت شعره، فقد أملطت وولدها مليط وهي مُملط، وإذا كان من عادتها فعلُ ذلك فهي مِملاط. فإذا ألقته وقد نبت شعره قيل قد سبّغت فهي مسبِّغ.


فإذا ألقته قبل تمام وقته وخلقته قيل قد خدجت فهي خادج وخَدوج وولدها خديج. فإذا كان ذلك من عادتها قيل هي ناقة مخداج. فإذا تأخر وقت نِتاجها أي تأخر أوانُ وضعها قيل قد أدرجت، وهي مدراج إذا كان ذلك من عادتها. فإذا زادت على ذلك بأيام قيل قد نضَّجَت فهي ناقة مُنَضّج، وذلك أحسن لتمام خلقة ولدها، يقول حميد بن ثور:

وصهباء منها كالسفينة نضجتْ – به الحملَ حتى زاد شهرا عديدُها


بعد وضع الناقة، إذا فارقت ولدها بهلاك أو بيع أو غير ذلك قيل ناقة مُفْرق، قال الأول مفتخرا:

وإجشامي على المكروه نفسي – وإعطائي المَفارق والحِقَاقا

ولحظةَ وضع الناقة يخرج رأس الولد أولا، فإذا حصل العكس، أي خرجت رجله قبل رأسه قيل هذا نِتاجٌ يَتْنٌ، وقد أيتنت الناقة توتن إيتانا.

والجلدة التي على رأس الولد فيها ماء أصفر تنشق بعد وضعه، تلك الجلدة اسمها: “السُّخْدُ”.


إذا خرجت رحم الناقة عند النتاج قلنا قد دَحَقَت الناقة. فحينئذ تُدهن رحمها وتُصَوَّبُ الناقة على صدرها وتُرَدُّ فيها الرحم. فإذا قذفت بالرحم مرة أخرى خُلّ حياؤها: أي ثُقب مبالها، فيثْقَب ست ثقب ثلاثا في كلا الطرفين، وخِيطت تلك الثقب بشعرة من مؤخَّر الذنب، فمنع ذلك الخيط الرحم من الخروج وفي الوقت نفسه لم يمنع الناقة من البول، فإذا بالت مرات انقطع الخيط وذلك بعدما ثبتت الرحم ولم يُخْشَ خروجها،وهذه العملية برمتها تسمى “الشَّصر”، تقول شصَر فلان الناقة يشصُرها.


أما في الحالة الطبيعية حين تلد الناقة وينقطع دمها قلنا: قد ألقت صاءتها.

أما ولد الناقة، فعند وضعه قبل أن يُعلم أ ذكر هو أم أنثى، اسمه سليل، فإن كان ذكرا فهو سقب وأمه مِسقب، وإن كانت أنثى فهي حائل وأمها أم حائل.

وفي بعض الأحيان، قد تلقح الناقة، فيُخشى عليها الجدبُ في العام المقبل، لأن الجدب إذا اجتمع لها مع الحمل قد يؤدي ذلك إلى هلاكها، فماذا يصنع الراعي؟ يسطو عليها: أي يُدخل يده في رحمها فينقيها وينتزع ما فيها وهذه العملية هي السطو وهي أيضا المَسيُ فتقول مساها يمسيها مسيًا، وهي ناقة مَمسيَّة.


في بعض الأحيان أيضا قد ينقطع وِلاد الناقة، أي يلاحظ الراعي أنها لم تعد تلقح، فماذا يصنع حينئذ: “يؤُرُّها” وتلك العملية هي الأرُّ، والأر هو أن يؤخذ غصن من شوكٍ أو قتاد فيضربَ على الأرض حتى يلين، ثم يُبلَّ ويُذَرَّ عليه الملح ثم يدخلَ في حياء الناقة حتى يدمى حياؤها، وهذا الغصن الذي عولجت به الناقة هو الإرار.


عشتم طويلا


شارك

مقالات ذات صلة