سياسة

يدٌ على سورية والعينُ على مصر

ديسمبر 5, 2024

يدٌ على سورية والعينُ على مصر

عشنا والحمد لله بعد سلسلة المؤسسة العسكرية المصرية. على الأقل لآجل. اليوم سأكتب عن المؤسسة العسكرية السورية واستهدافها من قبل إسرائيل. هذا الاستهداف بعد لبنان والحديدة في اليمن وطبعا إبادة غزة المتواصلة منذ عام ونيف، يكرس لأمر مريب يحاك في الخفاء لمصر. 

أظن أن دفع سورية للانكفاء على حرب مازالت متأججة تحت الرماد مع الجماعات المسلحة هدفه تطويق النظام السوري واقتطاع الجولان على الأقل من سيادتها لإسرائيل تليها سيناء مصر . تفريغ القضية الفلسطنية وترحيلها وتصديرها لمصر قطعًا مأربُ العدو الصهيوني وراعيه أو رعاته الغربيين. 


في سورية أقول جماعات مسلحة وليس معارضة مسلحة لأنه من المبكر التدقيق فيما إذا كانت ”جبهة فتح الشام“ سابقا ”جبهة النصرة“ هي ذات الجبهة التي أسس لها أبو محمد الجولاني من سورية، أم هم المقاتلون السوريون المعارضون بدعم تركي أو إيراني بدفع من ميليشيات المرتزقة. سورية الممزقة ما زالت تنزف، والحينُ مُواتٍ. أو هي بالكامل جماعة من المرتزقة الأجانب (السلاح الخاص) كالذين رأيناهم حين دُفع تنظيم الدولة تحت الأرض كجيش الإسلام وفيلق الرحمن المدفوعي الأجر من القوى الإقليمية.


سياسة حافة الهاوية 


لست من دعاة نظريات المؤامرة في الأغلب الأعم، لكن العجلة الدوارة المسنونة الإسرائيلية ماضية في محاولة توريط مراكز الضغط إقليميا وتعبئتها، في حروب جزئية ونوعية بشكل ممنهج وبالترتيب. يمهد لهذا التغول الإسرائيلي طبعا الموائمون والمتواطئون والمطبعون من الحكام العرب. أظن أن المستهدف هو العودة بالشرق الأوسط ”الجديد“ إلى ترتيب قديم. عودة لوضعية ما بعد غزو العراق المأسوف عليه. اليد الصهيونية المغموسة في دماء الفلسطينيين المدنيين العزل من غزة انطلقت في كل اتجاه تقريبا. يد تمتد إلى سورية بعد لبنان واليمن في محاولة لتوريط إيران وتصفية أجنحتها العسكرية إضافة إلى المقاومة الفلسطينية على كل الجبهات من جهة، واستيطان حرفي في دول الجوار لدفع فلسطينيي غزة من وضعية النزوح لجنوب القطاع إلى اللجوء لمصر على سبيل المثال لا الحصر. اغتيال حسن نصر الله وقادة المقاومة الفلسطينية كان بداية مشروع ”إسرائيل الكبرى“. وإذا تجرأت إسرائيل على سورية ستتجرأ على مصر. 


بين المقاومين والطغاة


الساعي حقا لقراءة المشهد الراهن في لبنان ثم سورية وانعكاساته على مصر، يتعين عليه أن يقف طويلا أمام السياق والمتواليات والتمييز الواعي للانحيازات الذاتية بين المقاومة للمحتل – المتسقة أخلاقيا والعابرة للأيديولوجية من جانب، وبين مظالم حقيقية لأهل غزة على حكم حماس للقطاع، وللسوريين واللبنانيين على حزب الله والنظام السوري. كما أن هناك مظالم حقيقية لعشائر سيناء لا تعفي الدولة منها حربُها على تنظيم ”ولاية سيناء“ إذا ما استُنفرت خلاياه المتربصة تحت الأرض مجددا.


من الضحالة والازدواجية أن تنظر بعين واحدة  فقط للواقع. يتسق تماما أن نناصر مقاومة المحتل على كل أرض بكل سلاح، دون إنكار أو تعالٍ على مآسي شعوب هُجّرت ولجأت وقٌتلت وتشرذمت على يد نفس الطرف الذي نؤازره في معركة مبدئية ضد الاحتلال. لكن لزاما علينا ألا نزايد أو نميّع أو نغض الطرف عن مظالم حقيقية لدى نفس الشعوب عند حكامها الاستبداديين. مقاومة الطغاة لا تنتفي إبان مقاومة المحتل. فضلا عن كون حُكام كبشار الأسد أو عبد الفتاح السيسي بسجليهما الحافلين بقمع شعبيهما كما كان حافظ ومبارك. الطغاة يجلبون الغزاة فعلا. 


كما يحتل الجهاد الراديكالي أي فراغ أو ضعف للسلطة القائمة، لذلك جابهت سورية الأسد الفصائل المسلحة والمرتزقة من كل صوب ودخلت مؤسستها العسكرية لسنوات ثمانية تقريبا في حرب مع جبهة فتح الشام (النصرة) وغيرها بعد انشقاق ضباط الجيش السوري الحر،  وضياع فصائل المعارضة أثرا بعد عين بين عشرات الفصائل الممولة من الخارج. قتل النظام الاستبدادي في سورية مئات الآلاف من السوريين، بينما أسست المؤسسة العسكرية المصرية لمجابهة تنظيم ”ولاية سينا“ بدموية وصل حد النزاع المسلح، وارتكبت جرائم أهدرت وهجرت خلالها قسريا آلاف المدنيين في سيناء.

 

سورية بشار ومصر السيسي

 

الواقع أن سورية ومصر ٢٠٢٤ ليستا الدولتين ذاتهما في الخمسينيات والستينيات في القرن الآنف. أذاهما حكامهما وأضاعاها وإن اختلف وجه الأذى. حتى اللحظة التي يكتب فيها هذا المقال، عدنا لأخبار التلفزيون السوري عن قتل ألفين إلا قليلا من ”الإرهابيين“ بنيران الجيش السوري. كان عنوان كهذا حتى وقت قريب اعتياديا بل نمطيا حتى اتفاق خفض التوتر في المناطق الأربعة: محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب وحماة واللاذقية عام ٢٠١٧. حتى الساعة لم تكن بيادق سورية طرفا متحركا في الساحة، بل أُخذ عليها وعلى إيران محاولات النأي بالنفس عن فصائل المقاومة بعد اغتيال جُلِّ الصف الأول العملياتي للمقاومة. أظن أنني رأيت محاولة جر سورية للصراع في اللحظة التي اغتيل فيها حسن نصر الله. لا يمكن إغفال وضع سورية وإيران اقتصاديا تحت العقوبات. 


لا أقول النظامين لأن النظام السوري وعائلة الأسد لم يتأثروا بالعقوبات التي طحنت شعوبهم، اقتاتوا على تجارة الكبتاجون في المنطقة وهو أمر عملت على إثباته قبل عام بالتعاون بي بي سي و مشروع منظمة الجريمة المنظمة والفساد لعام ونصف كامليْن. وأثبتنا الصلة بين عائلة الأسد والمخابرات العسكرية الجوية والفرقة الرابعة في الجيش السوري بهذه التجارة. 


بالمقابل قدمتُ في المقالات الثلاث السابقة قراءات في أداء المؤسسة العسكرية المصرية بين العقيدة والربح، وممارسة السلطة المطلقة، وإدارة العنف في سيناء.


جبهة النصرة وولاية سيناء


الهدف من مقارنة التنظيمين لا يخلو من محاولة دراسة للتقدم أو التقهقر بالتتابع أو بالتوازي زمنيا، ومحفزات كل تنظيم آنيا أو آجلا. 


  • كلا التنظيمين استغل ما بدى أنه فراغ جزئي أو كلي لسيادة الدولة لبناء خلايا عاملة تحت الأرض مرحليا لتنتفض وتحارب ”الدولة“. 
  • كلاهما ولد من رحم انتفاضتين سلميتين عام ٢٠١١. 
  • كلا التنظيمين نجح بالفعل في قضم قطعة من سيادة الدولة واعتُبرتا ذراعين لتنظيمين جهاديين مؤثرين، جبهة فتح الشام (النصرة)  آلت للقاعدة والدولة الإسلامية معا، بامتزاج مجموعة أبو بكر البغدادي زعيم ”دولة العراق الإسلامية“ ومجموعة أبو محمد الجولاني قائد ”القيادة المركزية لتنظيم القاعدة السوري“ في جبهة النصرة، ثم انشق الجولاني عن القاعدة ٢٠١٦ وغير اسمها ل“ جبهة فتح الشام“ ثم انفصل السوريون فيها عن الأجانب وانخرط بعضهم في جماعة خُراسان.        في مصر، تنظيم ”ولاية سيناء” أعلن منطقة الشيخ زويد شمال سيناء إمارة لتنظيم ”الدولة الإسلامية“. 
  • كلا التنظيمين واجه انقلابات داخلية لغياب أدوات عنف الدولة، في سورية اقتتل النصرة مع تنظيم الدولة بين عامي (٢٠١٣ – ٢٠١٥)، بينما خرجت القبائل الكبرى في مصر في رفح والعريش والشيخ زويد تقاتل التنظيم تحت وصاية المؤسسة العسكرية المصرية وكونت ميليشيات شبه رسميه لحماية النظام ”العرجاني“ وخرج شيوخ القبائل مطالبين بالعودة وحيازة أراضيهم لافظة الحل الأمني بتفريغ المنطقة بالكامل.
  • كلا التنظيمين نفذ عمليات ضد الجيشين في سورية ومصر كما نفذ عمليات بتتابع يبدو لافتا ضد قوات حفظ السلام العاملة على الأرض ”النصرة“ هاجمت في ٢٨ أغسطس من عام ٢٠١٤ قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في فيجي قرب مرتفعات الجولان المحتلة، و“ولاية سيناء“ في العاشر من يونيو ٢٠١٥ استهدف مطار الجوزة المستخدم من قبل قوات حفظ السلام بموجب اتفاقية مصر وإسرائيل.
  • كلا التنظيمين أخرج ميليشيات تناطح الدولة حينا وتتعايش معها أحيانا.
  • كلا التنظيمين نازع الدولة على أرضها ومثل خطورة على سيادتها لفرض ”إمارة إسلامية“ على خطوط التماس مع إسرائيل: النصرة في الجولان المحتل، وولاية سيناء على مشارف رفح ومعبري رفح وكرم أبو سالم.

استخلاصا من ذلك، إذا ما أعيد تنشيطُ تنظيماتٍ جهادية لدفع الأنظمة في سورية ومصر للانكفاء على محاولة تطهير الأرض منها، ستكون فرصة أظن أن إسرائيل ستقتنصها لتنقضّ على نقاط الضعف الأمنية للدولتين المرهقتين بالإفقار إما بالعقوبات أو سوء الإدارة والفساد من باب ”تأمين المجال الحيوي لإسرائيل“ وتبرير أي تجرؤ على دولتين بحجم سورية ومصر.


حرب إسرائيل الكبرى


على كل حال عصر الحروب الشاملة يبدو أنه ولّى منذ استعادة الحروب بالوكالة في العراق مع حل مؤسسة ثانية (قوات الصحوات) العراقية محل الجيش، شركة ”فاجنر“ الأمنية التي يعتقد على نطاق واسع صلاتها بالرئاسة الروسية، أو المرتزقة من تشاد وتركمانستان وغيرها.  أظن أن ترامب وحتى جورج بوش الأب كانا يتمهلا قبل فتح باب الجحيم في الشرق الأوسط. الشعوب تغلي منذ وأدت ممالك الخليج مرحلة الإسلام السياسي في المنطقة وأعلَوا كعب الثورات المضادة عليها. حقبة ذاق فيها الشعب السوري الأمرين خلال حرب ضروس بدأت مع المظاهرات السلمية وتبدو نارها غير خامدة بعد بتطورات هذه الأيام. ويعاني الشعب المصري فيها أشد المعاناة الآن هيكليا وسياسيا واقتصاديا. ناهيك عن دوري سورية ومصر المحوريين، المفقودين للأسف بسبب النظامين. وفي ذلك المقام مقال آخر.



شارك

مقالات ذات صلة