مدونات
الكاتب: كرم الدين حسين
يعيش المغرب اليوم في خضم أزمات متعددة الأوجه، تتشابك فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمناخية. فكما هو الحال في العديد من الدول النامية، يعاني المغرب من تداعيات الصراعات العالمية، سواء تلك الدائرة في شرق أوروبا بين روسيا وأوكرانيا أو تلك المتصاعدة في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من تميّز المغرب بموقعه الاستراتيجي واستقراره النسبي، إلا أن التحديات الداخلية والخارجية تفرض نفسها على أجندته الوطنية.
الأزمات الداخلية: الاقتصاد في قلب الغضب الشعبي منذ تولي حكومة عزيز أخنوش مهامها، واجهت انتقادات واسعة من الشارع المغربي بسبب الارتفاع المهول في أسعار المحروقات، الذي أدى إلى موجة تضخم غير مسبوقة شملت جميع القطاعات، بما فيها المنتجات الغذائية والخدمات الأساسية. ويزيد من تعقيد الوضع، ارتباط رئيس الحكومة بشركة “أفريقيا”، أحد أكبر الفاعلين في سوق المحروقات، ما يثير شبهات تضارب المصالح ويعمق من فقدان الثقة بين المواطن والحكومة.
هذا التدهور الاقتصادي رافقه تضييق على الحريات، رغم مبادرات العفو الملكي التي شملت شخصيات صحفية مثل عمر الراضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين. غير أن هذه الخطوات لم تكتمل بتوسيع دائرة العفو لتشمل معتقلي حراك الريف، وهو ما أثار خيبة أمل شعبية واسعة. وفي هذا السياق، زاد من تعقيد المشهد قرار وزير العدل عبد اللطيف وهبي رفع دعوى قضائية ضد الصحفي حميد المهداوي، ما أسفر عن حكم بالسجن النافذ والغرامة المالية تقدر ب 150 مليون سنتيم مغربي أي ما يناهز 150.000 دولار أمريكي تقريبا ، ما يسلط الضوء على العلاقة المتوترة بين الإعلام والسلطة.
إلى جانب ذلك، تعيش قطاعات حيوية مثل الصحة والمحاماة والتعليم على وقع احتجاجات متزايدة، تعكس حالة الاحتقان الاجتماعي العام. فالتهديدات بالإضرابات في قطاع الصحة، وحراك طلبة الطب، وتوترات المحامين بسبب قانون المسطرة المدنية الجديد، كلها مؤشرات على عمق الأزمة التي لم تستطع الحكومة التعامل معها بفعالية.
الأزمة مع الجزائر: بين التصعيد والتحكم وسط هذه التحديات الداخلية، يتصاعد الخطاب الرسمي والإعلامي حول التهديدات الأمنية التي تمثلها الجزائر. فالتوتر بين البلدين بلغ مستويات غير مسبوقة، وهو ما أكده تصريح وزير الخارجية ناصر بوريطة أمام البرلمان، حيث أشار إلى استعداد المغرب لمواجهة أي خطر محتمل. ورغم أن لا أحد ينكر أهمية اليقظة أمام هذه التهديدات، إلا أن تحويلها إلى أداة لتشتيت الانتباه عن الأزمات الداخلية يثير الكثير من التساؤلات.
فالخطاب الحكومي الحالي الذي يعزف على وتر “الخطر الخارجي” يبدو وكأنه يحاكي الأساليب التقليدية للأنظمة الجزائرية السابقة، التي كانت تلجأ إلى تأجيج الصراعات مع المغرب لتجاوز أزماتها الداخلية، كما حدث خلال فترة الحراك الشعبي في الجزائر. والمفارقة أن المغرب، الذي كان ينتقد هذا النهج الجزائري، بات اليوم يوظف التوترات مع الجزائر كوسيلة لتوجيه الرأي العام.
سياسة المغرب الخارجية: السلم كخيار استراتيجي على الرغم من تصعيد الخطاب الرسمي، تظل السياسة الخارجية المغربية تتسم بالاعتدال وتجنب التصعيد. فالخطابات الملكية الأخيرة أكدت على أهمية التصدي للتهديدات الأمنية، لكن دون تهويلها أو استخدامها كذريعة لتجاهل المشاكل الداخلية. ومن الجدير بالذكر أن المغرب، طوال عهد محمد السادس، حافظ على نهج السلم، ليس بدافع الضعف، وإنما للحفاظ على استقراره الاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً أن اقتصاده يعتمد بشكل كبير على السياحة والصناعة.
الخلاصة: بين الداخل والخارج، أي أولوية؟ يتعين على الحكومة المغربية إدراك أن تعزيز الجبهة الداخلية هو السبيل الوحيد للتعامل مع التحديات الخارجية. فالتاريخ أثبت أن الشعوب المستاءة من أوضاعها المعيشية تصبح أقل استعداداً للوقوف خلف قياداتها في الأزمات الخارجية. وبالتالي، فإن محاولة تحويل الصراع مع الجزائر إلى “فزاعة” لتبرير الفشل الداخلي ليس حلاً مستداماً.
إن المطلوب اليوم هو مقاربة شاملة تتعامل مع الأزمات الداخلية بجدية، من خلال إصلاحات حقيقية تعيد الثقة بين المواطن والدولة. وفي الوقت نفسه، ينبغي الاستمرار في نهج السياسة الخارجية المعتدلة، التي تجعل من السلم خياراً استراتيجياً وليس مجرد موقف مؤقت. المغرب، بموقعه الجيوسياسي وقدراته البشرية، قادر على تجاوز أزماته، شريطة أن تتحلى قيادته بحكمة الإصلاح والشفافية.