مدونات
ابتداءً؛ لست منبهراً، مسلوب الإرادة، منعدم الهوية، وأنا أكتب هذا الكلام عن الانتخابات الأمريكية ونتائجها، قطعاً. مثلما أنني -وفي الوقت ذاته- لم أستقبل بارتياح ورضا بعض ردود الأفعال العربية والإسلامية والتي تراوحت بين تقليل الأهمية المتغافل عن دور القوى الكبرى المهيمنة في صياغة ورسم واقعنا وخرائطنا من جهة، أو السخرية الباردة التي تعكس مدى الانهزام النفسي وليس الاعتداد بالانتماء كما يعتقد أصحابها من جهة اخرى!
لست منبهراً او ناسياً جرحنا الأكبر في غزة، ولكنني أكتب هذه الكلام متطلعاً لتلقي الدروس التي رأيتها في تلك الانتخابات بالغة الأهمية من عدة منطلقات:
إذن؛ ماذا تعلمنا الانتخابات الأمريكية؟
أولاً: تعلمنا تلك الانتخابات كيفية إعادة البناء بعد التراجع، فالتأخر ليس نهاية المطاف، والخسارة لا يمكن أن تكون ذريعة للقعود عن واجب التغيير، بل على العكس، أن تلك الخسارة التي قد نتعرض لها في أي وقت بحكم بشريتنا، يجب أن تكون حافزاً لدراسة أسباب الخلل بدقة وشجاعة، والمحظوظ من عرفها وعالجها بدلاً من ندب الحظ المستمر، وستظل القاعدة الذهبية: لا خلاص دون تغيير وإصلاح الذات أولاً.
ثانياً: ليست العبرة بما تمتلكه من عناصر قوة وتفوق بالضرورة، بل البراعة تكمن في توظيف الفرص المتاحة على قلتها لتحييد مكامن الضعف ومعالجة التهديدات بالتتابع حتى الوصول إلى حالة التفوق على الخصم والذي قد يعيش لحظتها نشوة الانتصار، ولا يعلم أن المهزوم قد أمسك بأول خيط التغلب عليه، متسلحاً بالصبر الطويل والعمل الكثير.
ثالثاً: تثبيت الرؤية الواضحة، والعمل الجاد للوصول إليها عبر الوسائل الناجحة، مهما كانت هذه الرؤية حينها حلماً صعب المنال، فلا شيء يقف أمام الاصرار، ويعلم الجميع أن تحديد الهدف منذ لحظة الخسارة كان هو نقطة انطلاق ترامب لمشروع العودة إلى ذات المكان الذي أقصي منه في ظل تسلسل عمل مستمر وجهد ونشاط ومواصلة تعرف غايتها الواضحة.
رابعاً: إدراك قيمة الإعلام، تحالفاً وتوظيفاً، وأهمية ثبات الخطاب الواضح والصريح، وتكرار الرسائل بإيمان مطلق لتغدو حقيقة لا تقبل الشك، ومنها ما كرره ترامب كثيراً بخصوص طوفان الأقصى وربطه بغض الإدارة السابقة عن إيران، فضلاً عن مداعبة هموم الناس، واستقطاب القوى المجتمعية المؤثرة، وجذب النافر منها ولا سيما الجالية المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية بديلاً عن الاستعداء.
خامساً: ونتعلم منها جملة ما فقدناه: الإخلاص للوطن والأمة وللقضية التي نحملها، والعمل الانتخابي المتقن الذي يحرص على اتخاذ أسباب التفوق، وبناء التحالفات بعيدة المدى، وحماية الديمقراطية لأن البديل هي الفوضى التي لا خير فيها مهما توهم البعض، والالتزام الصارم بالمشروع الذي يؤمن به المرء ففيه النجاح والخلاص.
والخلاصة: في ساحة التدافع بين الحق والباطل، النيات الطيبة لوحدها لا تكفي، فلا بد من مؤازرتها بالتخطيط المتقن والعمل المستمر ليتحقق ما نرجوه من قوة ونجاعة الانطلاق!