نعم. هو الذي أخرجني من السجن. ولكن لم أصوت له بعدها، لا في الأولى، ولا في الثانية. هذه المرة، لم أصوت له، وينتابني بعض الهلع. ماذا سيفعل في فلسطين هذا المجنون؟ حقيقة لا يهمني ما سيفعله بنا – نحن الأمريكان – فما سيفعله بنا في أمريكا لن يكون أسوء مما يحدث في غزة.
فلسطين، وغزة، هي التي كانت محورية لنا، كل من أدلى بصوته لجيل ستاين أو قرر أن لا ينتخب هاريس، لضلوعها في الإبادة. لكن، هل من الممكن أن يكون أسوء مئة مرة لفلسطين؟ هذا ما يؤرقنا في ليلنا.
حقا، سؤال يستعصي علينا إجابته! نعم، هو الذي سلم القدس لتل أبيب. لكن لا تقولوا لي أن تسليم القدس أسوء من إبادة غزة. ولا تقولوا أنه لولا تسليم القدس لما حصلت الإبادة، وما حصل الطوفان.
هل سيعطي الضفة للكيان الصهيوني؟ نتنياهو كان سيقول لهاريس/ بايدن: “عايز الضفة”، ليقولا “بلاش يا حبيبي، بس الفلوس والسلاح أهو. أما المستوطنات، هنشد ودنك لو خدتها، ونكمل في علاقتنا عادي”. أما ترامب فسيقول “صح يا حبيبي، والفلوس والسلاح أهو، والمستعمرات بالشفاء”.
لا أريد بأي شكل من الأشكال أن “أبيض” أو “أجمل” صورة ترامب. فخطر فاشيته كبير ليس على أمريكا فقط بل على العالم أجمع. فعندما تعود أمريكا للوراء ميلا، قد يعود العالم ألف ميل.
لكن؛ وفي نفس الوقت.. فمع بايدن-هاريس علينا أولا أن نأخذ لحظة لنفكر في هراء آخر سطر كتبته. فعندما نضع غزة كمعيار، ونقول، وهل ما حدث في غزة وانهيار النظام العالمي معها أقل خطرا؟ وهل فاشية ترامب أقل خطرا على النظام العالمي ومؤسساته؟
ماذا تبقى مع غزة من مجلس أمن أو محكمة جنائية دولية قادرة على أخذ قرار فعال أو قوات يونيفيل أو أنوروا؟ ماذا تبقى من “المسؤولية بالحماية” ومسؤولية “وقف الإبادة”؟
وعلى الجانب الآخر، وكما قالت المحامية والناشطة نورا عريقات “علينا أن نعترف، أن ترامب أقل رئيس أمريكي إمبريالية”. فترامب، رغما على كل شيء، لم يبدأ حربا في عهده! ولم يبدأ حربا في العالم العربي أو “الشرق الأوسط” في عهده! على النقيض، طريقته هي إنهاء الحروب وتجنبها، وإتمام ما يتم تحقيقه بالحرب، بالصفقات.
فهنا علينا التساؤل. أي الصفقات سيعقد لإنهاء الحرب في غزة؟ إن كان قادة دول الخليج قادرين على دفع المال لمصالحهم، فهل سيوازن بين مصالحهم ومصالح الصهاينة المسيحيين واليهود في أمريكا؟ حتما هناك تقاطع وتضاد ما بين المصالح، لكن هل من الممكن، أن تكون هناك مصالح، كالاعتراف بجزء من فلسطين كدولة، لم يكن مطروحا على الطاولة من قبل؟ هذا ما سيحدده القادة العرب…إلى جانب ترامب.
وأخيرا، وكبصيص أمل، لا لفعل ترامب، بل كردة فعل عليه، قد تنشط حركات وتنظيمات اليسار في العالم وأوروبا -لكن أشك هذه المرة في أمريكا- كما نشطت من قبل، في الآونة الأولى، وتتجه أوروبا (الدول التي قاومت السقوط إلى اليمين) لتخالف ترامب، وتناصر فلسطين أكثر، لأنه من الأسهل الحشد للتصدي ضد ترامب الفاشي، أكثر من وجه بايدن “الديموقراطي”.
تلك ليست دعوة للتفاؤل، أو لتجميل ترامب. بل هي دعوة للنظر لجوانب بها بصيص خير أو أمل في هذه الظلمة.
وأخيرا، وبالنسبة لخياري الشخصي بانتخاب جيل ستاين بدلا من التصدي لخطره، ففلسفة العالم أجمع لا تمكنني من فهم مبدأ “سنقتل أهلك، ولكنك ستنتخبيننا، لأن هناك ما هو أسوء”. فإما أن هناك ما هو أسوء من قتل أهلي. أو أنني -ومن مثلي- كنا نكذب، وإن أهل غزة ليسوا أهلنا، وبالتالي، قتلهم أهون من شر آخر، وهذا ما لا أقبله.
وقبل كل شئ، نحن ناخبون، ولسنا مطالبين بعقد صفقات مع الشيطان، هذا عمل الساسة. أما الناخبون، فعلينا أن ننتخب من يمثلنا، وهذا هو عملنا. وهاريس الإبادة لم تكن تمثلنا.