منذ طفولتي وأنا متيّم بالموسيقى الكلاسيكية، واكتشفت ذلك لأول مرة حين استخدمت الهاتف الأرضي آنذاك في اتصالٍ ما، وكانت نغمة الانتظار المقطوعة الموسيقية الرئيسية الشهيرة من “بحيرة البجع”، التي سحرتني وأسَرتني منذ ذلك الحين، وصرت شغوفًا بها.
كانت تلك الفترة التي أشاهد فيها كلاسيكيات ديزني العريقة، مثل “الأسد الملك” و”سندريلا” و”سنووايت والأقزام السبعة” و”الجميلة والوحش” و”حورية البحر” و”علاء الدين” و”أحدب نوتردام”، وتمنّيت حينها أن أشاهد نسخة ديزني الكارتونية لـ “بحيرة البجع”، ولكن لم يتحقق ذلك، على الرغم من أنّ ديزني كانت تخطّط للعمل على ذلك، وظهرت الرسومات الأوّلية للتصوّر العام، إلّا أنّ المسئولين في الشركة قرّروا إلغاء المشروع بشكل نهائي دون إبداء أيّة أسباب.
وخلال تلك الفترة شاهدت الفيلم الكارتوني “Swan Lake” أو “بحيرة البجع”، وهو فيلم من إنتاج ستوديو توي أنيميشن في اليابان، وذلك في عام 1981، الذي تمّت دبلجته للّغة العربية في فترة مجد مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ضمن سلسلة قصص عالمية، تحت إشراف الدكتور “فائق الحكيم”، وبأصوات نخبة من الفنانين العراقيين المبدعين، وسحرني حالًا، وكان يُعرَض بشكل مستمر على القنوات التلفزيونية الخليجية.
مؤخّرًا شاهدت الفيلم نفسه باللغة اليابانية الأصلية، وقد دُهِشت حقًّا، فحتى اليوم لم أجد أفضل من هذه النسخة الكارتونية كاقتباس لهذا العمل الأسطوري.
“بحيرة البجع” هي قصة باليه روسية، وتتألّف من 4 فصول، للموسيقار الكلاسيكي الروسي العظيم “بيتر إليتش تشايكوفسكي”، وعُرِضت لأول مرة على مسرح البولشوي في موسكو في عام 1877، وتوالَت العروض على مسارح العالم منذ ذلك الوقت على امتداد 150 عامًا تقريبًا، وقد حالفني الحظ في عام 2018 أن أحضر عرض باليه “بحيرة البجع” في مسرح مارينسكي العريق في مدينة سانت بيترسبيرغ في روسيا، وكانت تجربة مذهلة ولا تُنسى.
وأنا أكتب هذه المراجعة، لا تزال العروض قائمة الآن في أوروبا وبقية دول العالم بحضور جماهير غفيرة، وستظل العروض مستمرة لهذه التحفة الموسيقية الخالدة، وكذلك بقية أعمال الباليه الرائعة لـ “تشايكوفسكي” مثل “الجميلة النائمة” و”كسّارة البندق”، اللذين كان لهما نصيبٌ أوفر من “بحيرة البجع” من الاقتباسات السينمائية من ديزني وغيرها من شركات الإنتاج.
القصة تدور في قالب من الدراما والمغامرات والفنتازيا والرومانسية مع الأمير الشاب “سيغفريد” الذي يقوم برحلة صيدٍ في الغابات على ضفاف بحيرة، ويُفتَن ببجعةٍ جميلة، ويكتشف أنها أميرة من البشر تُدعى “أوديت”، والتي تعرّضت للعنة شريرة من الساحر “روثبرت” لتتحوّل إلى بجعة في النهار وتعود أميرة في الليل، وذلك لأنه وقع في حبّها وهي ترفض الزواج منه، فتتفاقم الأحداث.
هذا الفيلم من إخراج “كيميو يابوكي”، وقد قام الكاتب “هيروكازو فوسي” باقتباس الباليه وإعداده لنص سينمائي بشكل مبهر، مصحوبًا بموسيقى “تشايكوفسكي” طوال الوقت، وفكرة إضافة شخصيتَيْ السنجابين الناطقين كانت جميلة، وجعلت الفيلم أفضل مما هو عليه.
من المؤسف أنّ الفيلم لم يصدر على أسطوانات البلوراي بجودة عالية، فهو متوفر فقط على أسطوانات الديفيدي بجودة متواضعة، وقد تمّت دبلجته أيضًا إلى اللغة الإنجليزية. إنه حقًّا فيلم رائع ومرتبط بذكريات الطفولة الجميلة، ومن أحلامي المستقبلية أن أصنع نسخة سينمائية حيّة لهذه التحفة، وربّما سيتحقق ذلك في يومٍ ما.