مدونات
الكاتب: ظاهر صالح
منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” العام الماضي، يشن جيش الاحتلال حرباً مدمرة، ويرتكب مجازر وحشية وجرائم منقطعة النظير بحق المدنيين في قطاع غزة، خلّفت أكثر من 42 ألفا و850 من الشهداء، وأكثر من 100 ألفا من الإصابات معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً بالبنية التحتية وارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في القطاع، وضمن تلك الانتهاكات الصارخة والصادمة ضد الصحفيين، وبالتحديد صحفيي قناة الجزيرة الميدانيين. لم يكن مفاجئاً ما عمدت إليه المزاعم الكاذبة التي يروّج لها جيش الاحتلال من خلال استخدام وثائق مفبركة وأدلة ملفقة لإثبات التهم الواهية، بانتماء عدد من صحفيي قناة الجزيرة إلى فصائل المقاومة هي تحريض مكشوف يُمهِّد لاستهدافهم، ضمن سياسته الفاشية التي قتلت نحو 177 صحفياً، بهدف إرهاب الصحفيين وتخويفهم ومنعهم من أداء رسالتهم، والتعتيم على ما يُرتكب من إبادة وحشية، وانتهاكات فاضحة.
هذه الاتهامات والفبركات ضد الصحفيون أنس الشريف، وحسام شبات، وأشرف السراج، وعلاء سلامة، وإسماعيل أبو عمرو، وطلال العروقي، تضاف إلى سجل الأسود للاحتلال واعتداءاته الممنهجة على أهالي قطاع غزة، وعلى الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، لسعيهم وتوثيق ما يتعرض له نحو مليوني مدني يعيشون ظروفا صعبة في قطاع غزة. يواجه الصحافيون في غزة شتى أنواع الصعوبات من قتل وتهديد، بالإضافة إلى ما يعانيه باقي أهالي غزة من تطهير عرقي وتجويع وتهجير.
ومنذ بدء حرب الإبادة صعّدت قوات الاحتلال من سياسة اعتقال الصحافيين وقتلهم، إذ أحصت المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة أكثر من 100 جريمة قتل بحق صحفيين في غزة ارتكبتها قوات الاحتلال في العام الماضي وحده، واعتقال اكثر نحو 98 صحافياً وصحافية تعرضوا للاعتقال منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بهدف فرض المزيد من السيطرة والرقابة على العمل الصحافي، وفي محاولة مستمرة لسلب الصحافيين حقهم في حرية الرأي والتّعبير وممارسة مهنتهم.
فالاحتلال لم يكتفِ من تدمير العديد من مقرات الوسائل الإعلامية ضمن حربه المستمرة على قطاع غزة، وترهيب الصحفيين وتخويفهم، بهدف طمس الحقيقة ومنعهم من نقل الكلمة والصورة عما يجري داخل قطاع غزة من جرائم بشعة يرتكبها على مدار الساعة، وقناة الجزيرة وحدها تقريبا والسباقة في نقل الأخبار التي تبث ميدانيا وتنقل جرائم الاحتلال.
ولا ننسى أيضاً، خلال العامين الماضيين، عندما استهدفت قوات الاحتلال وقتلت عدداً من صحفيي الجزيرة في الضفة الغربية وقطات غزة، منهم شيرين أبو عاقلة، الصحفية الفلسطينية الأمريكية التي اغتيلت عمداً في 2022، وسامر أبو دقة، وحمزة الدحدوح، وإسماعيل الغول اللذين استشهدوا في غزة، ولفقت قوات الاحتلال يومها اتهامات لبعض هؤلاء الصحفيون لتبرير جرائمها بحقهم. يقوم الصحفيون بتغطية المجازر اليومية في قطاع غزة، وقد برز “أنس الشريف” منذ بداية العدوان في نقل الصورة المأساوية من شمال غزة، لا سيما في مخيم جباليا منذ نحو 20 يوماً، فلم يعد يخفى على أحد أن الاحتلال يحاول ومنذ بداية العدوان الهمجي على قطاع غزة تقويض كل ما يشكل دعماً ومساندة لفلسطين سواء كانت قناة الجزيرة أو العاملين في مجال الاعلام أو الصحفي أنس الشريف أو غيره، فالاحتلال يكره كل شيء له علاقة بالحقيقة، فهو كيان قائم على صناعة الكذب والتزوير والافتراء وتشويه وتزوير الحقائق.
إن هذه الاتهامات الملفقة ليست إلاّ محاولة جديدة لإسكات صوت الحق وصوت الصحفيين القلائل الباقين في قطاع غزة، ولإخفاء حقيقة ما يرتكب فيه من جرائم وفظائع، وهو انتهاك صارخ لنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948 أن لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير؛ ويتضمن هذا الحق حرية الفرد في تكوين آراء بدون تدخل أحد، والبحث عن واستقبال ونقل المعلومات والأفكار من خلال كافة وسائل الاتصال بصرف النظر عن حدود الدول، وأن القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة والدول الديمقراطية في العالم كله تكاد تجمع على أن حق الرأي والتعبير والحرية الممنوحة لوسائل الإعلام في ممارسة عملها هي الركن الأساسي في كافة الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية.
في الختام، إن دماء كل الذين سقطوا على تراب غزة لا تُحصى كأرقام في سجلات، والاحتلال يدرك تمام الإدراك أن هذه الدماء تروي قصصاً عميقة الأثر، لذلك يستهدف الصحفيين عن عمد لأنه يعي أن الصحافة ليست مهنة عادية بالنسبة للفلسطينيين، بل هي وسيلة وبندقية لهم لرفع صوتهم، ولكسر حواجز اللامبالاة في ظل الصمت العالمي المريب والتواطؤ الواضح من القوى الكبرى، ولجذب الأنظار نحو معاناة شعب يناضل من أجل بقائه وكرامته.