آراء
لم يبدأ الرفض الفلسطيني للاحتلال اليوم، ولا في عام ١٩٤٨، بل كان قبل ذلك بكثير. دوّن التاريخ العديد من المعارك التاريخية بين أهل فلسطين والمحتل، وفي هذه المقالة أستعرض أول معركة كبرى بينهما، والتي كانت في عام ١٩٢٠، عندما رفض أهل الأرض الاستيطان التدريجي لليهود والمخطط من قبل بريطانيا. تكشف لنا هذه المعركة أن الإرث التاريخي قبل النكبة طويل، وأن تاريخ المقاومة أقدم بكثير.
١٩٢٠
في مدينة سان ريمو الإيطالية اجتمع قادة الدول الكبرى في العالم (بريطانيا وفرنسا وإيرلندا وروسيا) لنقاش سؤال جوهري يغيّر خارطة العالم. هذا السؤال هو (انتصرنا على الدولة العثمانية، ونملك أراضي تابعة لها، فكيف نستفيد من هذه الأراضي قدر الإمكان؟ وما مصيرها بعد اليوم؟) وقد شارك في هذا المؤتمر بعض الشخصيات المؤيدة للصهيونية مثل (حاييم وايزمان) و (هربرت صامويل). وقد كان الاتفاق هو تنفيذ وعد بلفور.
وعد بلفور
في عام ١٩١٧ أعلنت بريطانيا أنها تنوي تأسيس وطن قومي لليهود، وأنها تعد المجتمع اليهودي بتنفيذ هذا الأمر في أسرع وقت ممكن. وكانت الخطة أن يتم استخدام أرض فلسطين لتنفيذ هذا الوعد. ورغم أن اليهود لم يشكلوا أكثر من ٣٪ من نسبة السكان في أرض فلسطين، إلا أن النيّة البريطانية هي تهجير اليهود إلى أن تصبح نسبتهم هي الغالبة.
وصول اليهود
عند وصول (سامويل) لأرض فلسطين، امتلك الثقة الكافية بسبب الدعم البريطاني المطلق لتأسيس وطن قومي خاص باليهود. أسس الانتداب البريطاني (الإدارة المدنية)، يديرها (سامويل) بنفسه، وهدفها تنفيذ المخطط البريطاني والإشراف على كامل تفاصيله. ومن البنود التي عليه الحرص على إتمامها: تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين. لكن هل كان يجهل أهل الأرض ذلك؟
بداية المقاومة
كان الشعب الفلسطيني يعرف قرار الانتداب البريطاني الذي قرر تنفيذ (وعد بلفور)، فبرزت الاجتماعات والمبادرات الرافضة لهذا الاقتحام، وبرز الاستهجان ضد عملية الاستبدال السكاني، فبدأت المظاهرات في كل أنحاء فلسطين، وجهوا فيها الخطاب المباشر للحكومة البريطانية بأن تتراجع عن مخططاتها. بالمقابل، قرر الانتداب البريطاني تسليم فلسطين لليهود بخطوات تدريجية مؤثرة فأضاف اللغة العبرية في عموم دوائر الحكومة، وتم إقحامها بقوة القانون إلى اللغات الرسمية. ومن ناحية إعلام خارجي فصوّر الإعلام البريطاني واليهودي أن أرض فلسطين فارغة، وأن اليهود أتوا للتعمير فقط لا أكثر.
بدأت الانتفاضة الأولى ضد هذه الموجة في ابريل ١٩٢٠، في موسم النبي موسى تحديداً. بهذا الموسم يحتفل الناس باحتفال شعبي وله طابع ديني، فيجتمعون مع خيولهم وأسلحتهم، ويحملون البيارق والأعلام، ويطوفون أحياء القدس وشوارعها. وفي عام ١٩٢٠م كان هذا الموسم مختلف، لأن اليهود بدأوا في هذه الفترة بالتمادي، وكانوا يسخرون من صلاح الدين الأيوبي، الذي حرر القدس مسبقاً. بهذه اللحظة قرر الفلسطينيون أن المخطط البريطاني تمادى كثيراً، وأن المقاومة بالقوة حان وقتها.
تحولت أحياء القدس إلى ساحات يتصارع فيها الفلسطينيين مع اليهود أحياناً، ومع القوات البريطانية في أحيان أخرى. واستمر هذا التصادم لمدة ٦ أيام. بريطانيا شعرت أن الفلسطينيين يملكون القوة الكافية لإيقاف مشروع الاستيطان فقررت استخدام العنف. وتدخلت وأطلقت النار على الفلسطينيين. بهذه اللحظة برز اسم مهمة في تاريخ فلسطين وهو (الحاج أمين الحسيني) المفتي العام للقدس. والذي دعا للتصدي لليهود ورفض وعد بلفور. كانت نتيجة هذا الصراع الممتد لأيام وجود شهداء وجرحى فلسطينيين وقتلى وجرحى يهود.
الخاتمة
هذا الصراع الذي حدث في موسم النبي موسى كان أول صراع مباشر بين البريطانيين والفلسطينيين وافتتح المجال لجميع الانتفاضات بعده مثل الثورة الكبرى عام ١٩٣٦ وغيرها الكثير. كل هذه الانتفاضات والمواقف تؤكد أن ااصراع قديم ولم يبدأ بسبب طوفان الأقصى، وأن تهم مثل “بيع الأراضي” وغيرها ليست إلا عبارات يبرر من خلالها المتخاذل خذلانه.
ولا يملك الواحد منّا اليوم أي عذر في حال تقصيره تجاه القضية الفلسطينية، إذا أن المذبحة تُنقل أمام الجميع، والتصريحات تفضح نيّة توسّع الكيان، والمسجد الأق يُدنّس في البث المباشر، والتهجير لم يعد سراً بل يتفاخر المحتل به. قصة المقاومة الفلسطينية قديمة، والصراع لم يبدأ في ٧ أكتوبر، ومن يحمّل المقاومة اللوم بسبب معاناة الضحايا فهو يلوم الضحية، وهذا سبيل العاجز.