أذلةُ قومنا من أين جاؤوا؟: ثلاثية اللجان والنخب والمؤسسات
أكتوبر 21, 2024
63
أذلةُ قومنا من أين جاؤوا؟: ثلاثية اللجان والنخب والمؤسسات
الكاتب: سيف الإسلام عيد
لم تعجز قدرات لجان الذباب الإلكتروني عن الابتكار، وتبديل الجلود، وتحريف الكلم عن مواضعه، هذه القدرات التي تصيب المتابع بالغثيان من هول ما يرى في الفضاءات الالكترونية. فقد باتت فضاءات منصات التواصل الاجتماعي مقياسًا لمعرفة أهواء مشغّلي هذه اللجان وتوجهاتهم لاسيما بعدما نشطت بشكل غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر 2023 “طوفان الأقصى”، وأصبحت تمثّل رؤى ووجهات نظر من يقفون وراءها من أجهزة رسمية في دول تبدي موقفها الحقيقي على العكس من موقف البيانات الرسمية التي تخرج بها وزارات الخارجية.
وإلى جانب سذاجة التصورات التي تبديها مثل هذه اللجان المنظمة -التي صار عددها بالآلاف- وتواضع مواهب من يديرونها لم تعد تمثّل في فضاءات التواصل الاجتماعي مثل هذه الحملات سوى ساحة احتراب بعيدة عن التأثير في الواقع، وصارت تعبيرًا عن مزاجات -تبدو شخصية- لمن يقف ورائها، ليس لسياسات مؤسسات أو ربما أجهزة أمنية في دول فقط، لكن لأشخاص أيضًا قادرون على إدارة لجان الذباب الإلكتروني بهذا الشكل المزعج الذي لا يملك هدفًا استراتيجيًا قريبًا أو بعيدًا سوى التضليل المعلوماتي والقيمي.
في حالتنا العربية، ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى قبل عام، لم يعد الأمر مقصورًا فقط على إدارة لجان الذباب الإلكتروني، إلى إدارة عدد من النخب المجتمعية والثقافية والدينية والسياسية بطريقة تسلبهم من حريتهم في التفكير على الأقل، وباتت آراؤهم حيال الأحداث المتتابعة تعبيرًا عمّا يجول في أذهان من يوجههم من الأجهزة الأمنية أو المتنفذين داخل أروقة الحكم العربية، وعلى عكس من توجهات الرأي العام العربي التي مازالت تُثبت في كل متنفّس لها أو فرصة تقتنصها أنها تناقض التوجهات العربية الرسمية، صار التحكّم في هذه النخب -والتي يُصنع بعضها لهذا الغرض- وبشكل يسلب إرادتهم وأفكارهم بشكل تام، ويجعلهم كعرائس متحركة لخدمة أهداف قريبة لا تتفق حتى مع آراء شعوبهم في دول لا تعتبر بالديمقراطية أصلًا.
بات استخدام النخب المجتمعية والثقافية والدينية والسياسية من قبل الأجهزة الأمنية أو المتنفذين داخل أروقة الحكم ظاهرة تستحق التعمق في دراستها كحالات عربية تتنافس فيما بينها لتخرج أسوأ السيناريوهات في التدليس والتضليل المعلوماتي والكذب على حقائق التاريخ المنظور. فبالأمس صادفني منشورًا للدكتور عائض القرني الذي بات ظاهرة بمفرده، فمنذ عام لم يكتب منشورًا واحدًا يعارض فيه حرب الإبادة الصهيونية ضد أهلنا في فلسطين، وبات الأمر أشبه بتوجيه رسمي لرجل قريب من السلطة بشكل ملحوظ واتخذ صفّها بضراوة، يؤيد سياساتها وتوجهاتها في كل كبيرة وصغيرة، وكان ردي الذي لم أتوقع أن يُحدث مثل هذا التفاعل أبيات من الشعر أحفظها ولا أعرف من قرضها:
وديني دِينُ عِزٍّ لستُ أدري
أذِلّةُ قومِنا مِنْ أَينَ جاؤُوا ؟!
أتوا بالجهل من أفكار قومٍ
بلا دينٍ وغرّهمُ الثناءُ
فلا طابت لهم فيها حياةٌ
ولا لقوا بالدنيا هناءُ!
وبعيدًا عمّا وراء التحوّلات التي أصابت الدكتور القرني الذي تعرّفت إلى أشهر كُتبه “لا تحزن” في سجون مصر قبل 10 سنوات، ولازمني مؤنسًا وصاحبًا لفترة طويلة داخل السجن، يظل التساؤل البارز عن اتساق مثل هذه النخب مع ذواتها، بعدما سُلبت حتى إرادة التعبير الحرّ عن النفس، مشروعًا في ظل لحظة التحوّل الحرجة التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية منذ عام!
تعدى الأمر اللجان الإلكترونية والنخب إلى استخدام المؤسسات الإعلامية الكبرى لتوافق أهواء شخصية، فبعد يوم من استشهاد القائد يحيى السنوار، في مشهد بطولي لم يسبق لمن هم في مثل عمري أن رآه، بثّت قناة إم بي سي السعودية تقريرًا يصف قادة المقاومة تاريخيًا بالإرهاب، الأمر الذي لاقى هجومًا شعبيًا عربيًا غير مسبوق اضطرت المؤسسة ومن معها من نخب مُدارة إلى التراجع عنه والعودة إلى خطّ “الموقف الرسمي” للدولة! بما يبرهن بكل الأشكال على أنه من يدير لجان الذباب الإلكتروني والنخب المعروفة والمؤسسات الإعلامية عقل واحد يمسك بهم، ويحرّكم كيفما يشاء!