مدونات

حرية التعبير: بين قضية الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية

أكتوبر 16, 2024

حرية التعبير: بين قضية الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية


الكاتب: كرم الدين حسين

 

 في السنوات الأخيرة، ظهرت فئة من المثقفين المغاربة تحاول توجيه خطاب صارم للجمهور المغربي، مفاده أن الدفاع عن قضية الصحراء المغربية يجب أن يكون الأولوية الوحيدة، وأنه لا مجال للدفاع عن أي قضايا خارجية، وخاصة القضية الفلسطينية.


هذه الفئة تذهب إلى حد اتهام المغاربة الذين يظهرون دعمهم للقضية الفلسطينية بالسذاجة أو حتى بالخيانة، مستندة إلى مواقف بعض القوى مثل إيران وحركة حماس، اللتين تتبنيان مواقف سلبية تجاه الوحدة الترابية للمغرب. في هذا السياق، كتب المختار الغزيوي، مدير نشر جريدة “الأحداث المغربية”، تدوينة تعكس هذا الطرح بشكل واضح، قائلاً: “قضيتنا الأولى والمصيرية هي صحراؤنا… التجييش والدفاع المستميت… وكل عبارات النصرة هنا في المغرب صالحة لهاته القضية الوطنية أولاً، وبعدها نستطيع أن نوزع ما تبقى من ‘حماس’ على ما شئنا ومن شئنا، هنا وهناك، وفي كل مكان”.


هذه الكلمات تعكس التوجه الذي يروج لفكرة أن الدفاع عن الصحراء المغربية يجب أن يكون فوق أي قضية أخرى، وأن من يخالف ذلك قد يكون في موقع مريب أو موضع اتهام. لكن وإن كان هذا رأي يظهر فيه منطق في الوهلة اولى، إلا أنه مع تدقيق قليلا في خصوصية القضيتين و علاقة الشعبين يتضح أن هذا رأي لا يرتكز على حجج واقعية و منطقية. مغربية الصحراء: قضية محسومة وليست موضوعاً للمقارنة لا يمكن إنكار أن قضية الصحراء المغربية هي إحدى القضايا الوطنية الكبرى التي توحد المغاربة حولها. لقد نجح المغرب على مر العقود في ترسيخ موقفه الدبلوماسي والدولي حول مغربية الصحراء، ما جعلها قضية محسومة من الناحية القانونية والسياسية.


المغرب قد حسم أمر وحدته الترابية، والدفاع عنها واجب وطني لا جدال فيه. ومع ذلك، يجب التنبيه إلى أن مقارنة قضية الصحراء المغربية بالقضية الفلسطينية ليست عادلة. القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية عادلة يدافع عنها كل الشعوب الحرة في العالم.


فالمغاربة، بحكم انتمائهم العروبي والإسلامي، لطالما أبدوا دعماً قوياً للشعب الفلسطيني، وهذا الدعم يأتي من منطلق التضامن الأخلاقي والإنساني مع قضية شعب يُعاني من الاحتلال. مقارنة هاتين القضيتين لا يجب أن تُستخدم كوسيلة لإضعاف أي منهما، بل إن التوازن بينهما هو السبيل الأمثل للحفاظ على المبادئ الوطنية والإنسانية التي يحملها الشعب المغربي.


 حرية الرأي: حق مكفول دستورياً لكل المغاربة من أهم المبادئ التي يجب التأكيد عليها في هذا النقاش هو أن حرية الرأي مكفولة في الدستور المغربي. فالدستور يضمن لكل المغاربة الحق في التعبير عن آرائهم بحرية ودون قيود. هذا يعني أن للمغاربة الحق الكامل في الدفاع عن أي قضية يرونها عادلة، سواء كانت قضية وطنية مثل الصحراء المغربية أو قضية خارجية مثل فلسطين. لا يمكن لأي فئة أو تيار أن يحتكر الوطنية أو يُملي على الآخرين ما يجب أن يؤمنوا به أو يدافعوا عنه. إن الدفاع عن مغربية الصحراء، وهو حق وواجب وطني، لا يتعارض مع الدفاع عن القضية الفلسطينية أو أي قضية عادلة أخرى.


على العكس، المغرب الذي نجح في تأكيد مغربية صحرائه على الساحة الدولية يملك الثقة الكاملة في مواقفه، وهذا ما يجعله دولة ذات سيادة تستطيع أيضاً أن تدافع عن حقوق الآخرين دون المساس بمصالحها الوطنية. في نهاية المطاف، يظل المغرب بلداً يحترم تعدد الآراء وحرية التعبير، ويجب أن يبقى ذلك سمة أساسية في الحياة العامة. مغربية الصحراء قضية محسومة ولا يمكن التشكيك فيها، ولكن حرية الدفاع عن القضايا الإنسانية الأخرى، مثل القضية الفلسطينية، هي أيضاً جزء من القيم المغربية الراسخة. يجب أن نكون قادرين على تحقيق توازن بين التزامنا الوطني والتضامن الإنساني، دون أن نسمح بإثارة الانقسامات أو الاتهامات بين المغاربة أنفسهم.


شارك

مقالات ذات صلة