فنون

Frantz: أيّهما أفضل؟ الكذبة المُريحة أم الحقيقة المؤلمة؟  

أكتوبر 6, 2024

Frantz: أيّهما أفضل؟ الكذبة المُريحة أم الحقيقة المؤلمة؟  

 

 

 

هل هناك مبرر لأنْ نلجأ للكذب في مواقف معينة من أجل أن لا نتسبّب بالمعاناة والألم للآخرين؟ وإنْ نظرنا للمسألة من زاوية مختلفة، هل يمكن للخيال والوهم أنْ يكونا أكثر راحة وسعادة من الواقع؟

 

هذا التساؤل يشكل بؤرة القصة الجميلة والغريبة للفيلم الفرنسي الرائع والغامض “فرانتز”، للكاتب والمخرج المبدع “فرانسوا أوزون”، الذي أذهلنا في عام 2012 بفيلمه “In The House”.

 

إنه فيلم دراما رومانسي حربي، من إنتاج عام 2016، وهو ناطق باللغة الألمانية في غالبية مَشاهد الفيلم، ما عدا مَشاهد قليلة كانت باللغة الفرنسية، والفيلم مقتبس بتصرّف من الفيلم الكلاسيكي “Broken Lullaby” الذي أُنتِج في عام 1932، والمبني أساسًا على مسرحية “الرجل الذي قتلته” للكاتب الفرنسي “موريس روستان”، وتدور الأحداث بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وتحديدًا في عام 1919.

 

 

“أدريان” هو جندي فرنسي يصل إلى بلدة ألمانية صغيرة ليضع الزهور على قبر الجندي الألماني “فرانتز” الذي مات في الحرب، فيتعرّف على والده الطبيب “هانس هوفميستر” ووالدته “ماغدا” وخطيبته “آنا”. يبدو الأمر مريبًا ومثيرًا للشكوك حول “فرانتز” الفرنسي ووجوده في البلدة الألمانية، إذ أنّ الحرب كانت طاحنة بين الفرنسيين والألمان والعداء ظل مستمرًّا بينهم، ثم تبدأ الحقائق بالظهور شيئًا فشيئًا، لتكشف لنا علاقة “أدريان” بـ “فرانتز”.

 

 

قام “فرانسوا أوزون” بعمل متقن في طريقة سرد القصة وصياغة الأحداث بالتعاون مع زميله الكاتب “فيليب بيارز”، كما أبهرنا بصريًا بجعل أغلب مشاهد الفيلم غير ملوّنة، أي بالأبيض والأسود، ما عدا بعض المشاهد التي كانت ملوّنة. استخدام المشاهد الملونة كان له وقع جميل على عينَيْ أي متذوق سينمائي، ولم يستخدمها إلا في ظروف ومواقف معينة، وسندرك أنها تعبّر عن حاجة في نفس “فرانسوا أوزون” برؤيته الإبداعية، ولها معنى رمزي وعميق، تمامًا مثل مشهد “الفتاة بالمعطف الأحمر” في الفيلم العظيم “Schindler’s List”، للمخرج “ستيفِن سبيلبيرغ”، كما أنّ الموسيقى التصويرية لـ “فيليب رومبي” كانت آسرة للحواس.

 

“فرانسوا أوزون” قام بالضغط على مشاعر إنسانية حسّاسة، من خلال شخصيات القصة: “آنا” التي تفقد خطيبها “فرانتز” وتعيش في حزن مع والديه “هانس” و”ماغدا” اللذين لا يطيقان الحياة بعد موته، وأخيرًا الجندي الفرنسي “أدريان”، الذي كان “بصيص الأمل وحبل النجاة” لأولئك الثلاثة، بجلب “الحب” و”الراحة”، بسرد “أجمل” وآخر “الذكريات” التي “عاشها” مع “فرانتز”، “صديقه” الراحل.

 

 

“بيير نينيه” أبدع في أداء شخصية “أدريان”، وكذلك “إرنست ستودزر” و”ماري غروبر” بشخصيتي “هانس” و”ماغدا”، ولا أنسى “باولا بير” التي أذهلتني بأدائها لشخصية “آنا”. من المؤسف أنّ الفيلم لم تقديمه لتمثيل فرنسا في جوائز الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، فقد كان الأحقّ والأفضل، ولكنّه كان محظوظًا في جوائز سيزار، التي تعادل الأوسكار في فرنسا، بفوزه بجائزة أفضل تصوير، وترشّحه لـ 10 جوائز أخرى، لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل ممثل “بيير نينيه” وأفضل ممثلة واعدة “باولا بير” وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل مونتاج وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء وأفضل مؤثرات صوتية.

 

 

يحمل هذا الفيلم رسائل كثيرة حول ويلات الحرب، وتتمثّل من خلال أحد ضحاياها، الذي جعله “فرانسوا أوزون” عنوانَ فيلمه، وأقصد بذلك “فرانتز”، الذي لا نراه في الفيلم بصورة مادية بقدر تأثيره المعنوي على حياة الجميع. نتعلم من الفيلم معنى الحب والغفران والأمل والرغبة في المضي قدمًا في هذه الحياة، ما دامت تهدينا أضواءً في آخر النفق، وتدعونا كي ننسى ألمًا عشناه.

 

 

 

شارك