مدونات
الكاتبة: أسماء أشرف
في ظل التعتيم الإعلامي تكمن وظيفة الإعلام الأساسية في كشف الحقائق والإخبار عنها، ويعد الإعلام هو العنصر الأساسي للمعرفة الذى إن غُيب أو تم تعتيمه قصدًا؛ تصبح الحقائق باهتة غير مرئية وكأنها شمس حجبها غبار كثيف حتى طمسها تمامًا. وكذلك الوضع أيضًا في السودان. بلدنا الشقيق الذى يعاني منذ عام وسبعة أشهر ولازالت معاناته مستمرة للآن، وبالرغم من طول مدة معاناته وقساوة ما يعانيه، إلا إنه في ظل تعتيم إعلامي ومحاولات دؤوبة ومستمرة لوأد الحقيقة في مهدها الأول، لا يصلنا من أخبارهم إلا أقل القليل مقارنةً بما يحدث بهم.
ومن هنا، ولمحاولة لكسر القيود الخانقة المفروضة قسرًا على كل ما هو سوداني، وجب علينا إزالة الغشاوة عن ما يخصهم؛ لئلا تكون دماؤهم دماءً منسية. الوضع فى السودان قتل، اغتصاب، تجويع، استيطان للأوبئة، نزوح وتهجير. كل هذا وأكثر ما هي إلا أحداث مستمرة لمدنيين عزل يعانون جميع الويلات ويتجرعون شتى طرق التنكيل والتعذيب وأبشعها منذ ما يزيد عن العام ونصف. فى السودان يُجبر الأطفال على قتل بعضهم بعضًا، ويُجبر أرباب العائلات على دفن ذويهم أحياء والوقوف دون حراك لمشاهدة نساءهم تُغتصب، بل والأدهى من ذلك أن تجبر الميليشيات المسلحة أم على طهى أطعمةً لهم وهم يتناوبون على اغتصاب بناتها، والتى لم تتجاوز أكبرهم عامها التاسع عشر، -وذلك ما يتم وصفه من شهادات ممن عايشوا الأحداث.
ووصفًا لحالات القتل العشوائي للمدنيين التي ترتكبها قوات الدعم السريع، والتي بلغ عددها حوالى 150 ألفًا منذ بداية الحرب؛ في يونيو 2023، أفاد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة العثور على مقبرة جماعية في دارفور بها 87 شخصا مدنيا تم إعدامهم دون محاكمة، وفى تقرير صادر عنCNN الأمريكية لشهر أغسطس للعام 2023، أفاد العثورعلى 30 مقبرة جماعية بدارفور بهم أكثر من 1000 إنسانا، وبحسب ما نقلته هيومان رايتس أنه في نوفمبر 2023 قامت قوات الدعم السريع بقتل 800 شخص في دارفور وإعدامهم ميدانيًا دون محاكمة، بالإضافة لما ترتكبه العصابات المسلحة من جرائم وانتهاكات ضد الإنسانية ترتقي لتصبح جرائم حرب، والتي من ضمنها الهجمات على المستشفيات والمدارس وتدمير البُنَى التحتية والمرافق الحيوية؛ مما يتسبب فى توقف المستشفيات ومختلف المنشآت الصحية والحيوية عن الخدمة وبالتالي العجز عن توفير الرعاية للأشخاص المتضررين، بالإضافة إلى ذلك قتل عمال الإغاثة الإنسانية والذين وصل عددهم فى أبريل من العام الماضي ل 22 قتيل و33 مصاب، وأيضًا الاستيلاء على المنشآت العامة؛ كتحويل السوق المركزي لمركز لبيع الأسلحة والمخدرات. وبالتطرق للحديث عن حالات الاغتصاب فى السودان فى ظل الحرب؛ فسنجد أنه حتى شهر يونيو من العام 2023 تم تسجيل 5100 حالة اغتصاب.
ولصعوبة الأوضاع وخوف معظم الضحايا من بطش العصابات المسلحة ورفضهن الحديث خوفًا من “وصمات العار” التي ستلاحقهم حتى بعد انتهاء الحرب؛ لذلك يصعب الحصول على عدد محدد ودقيق لضحايا الاغتصاب فى السودان، إلا إنه نقلًا عن “محمد الأمين المجتبي” الممثل لصندوق الأمم المتحدة للسكان فى السودان: إنه “تتعرض حوالى سبعة ملايين امرأة وفتاة فى السودان لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي”. وبالانتقال للوضع الغذائي فى السودان؛ فسنجد أن “سلة غذاء العالم” أصبحت تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويهدد الجوع أكثر من نصف سكانها، أى حوالى 26 مليون شخص.
كل هؤلاء تحت وطأة الحرب مضطرين يوميًا لمعايشة ألم آخر يضاف لآلامهم المتعددة؛ فيضطرون فى غالب الوقت للتغذي على أوراق الأشجار أو حتى أتربة الأرض والتي يصنعون لأجلها حفرًا بعمق الأرض ليلتقطوا بعض الأتربة من جوفها حتى يسدوا بها جوعهم الصارخ منذ قرابة العامين. ويوجد أيضًا الكثيرين ممن لا يحالفهم الحظ لسد جوعهم الصارخ؛ فيموتون إثر ذلك جوعًا؛ حيث إنه وفقًا لتقديرات منظمة أطباء بلا حدود إنه فى مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور، يموت طفلًا واحدًا فى المتوسط كل ساعتين جراء الجوع الشديد، وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة ووزارة الصحة السودانية، أن حوالى 2.9 مليون طفل فى السودان يعانون من سوء التغذية الحاد، وعلى لسان الباحثة فى معهد كلينجينديل “آنيت هوفمان”: “إن الحرب تسببت فى أكبر أزمة جوع فى العالم…من المرجح أن تحدث مجاعة لم نشهدها منذ عقود”.
وتنقلنا المجاعة وانعدام الأمن الغذائي إلى استيطان الأوبئة وتفشي الأمراض؛ حيث أعلنت السلطات الصحية في السودان عن وفاة 22 شخصًا وإصابة أكثر من 300 آخرين بوباء الكوليرا إثر تفشيه في الأسابيع الأخيرة من شهر أغسطس، وبحسب ما نُقل عن وزارة الصحة السودانية إنه تم تأكيد إصابة 119 حالة بالكوليرا في ولاية كسلا، بالإضافة لتفشي الأمراض المنقولة بالمياه وتزايد حالات الإصابة بها؛ كالملاريا والإسهال المائي الحاد، بالإضافة أيضًا لالتهابات الجهاز التنفسي الحاد وانتشار حالات الحصبة. كل هذا يدفعنا لنرى من لجأوا للنزوح هربًا من كل المعاناة القائمة؛ فنجد أن حالات النزوح فى السودان منذ بدء الحرب تجاوزت المأساة 10 ملايين حالة نزوح داخلي، بالإضافة لنزوح حوالي مليوني شخص لدول مجاورة، آملين في ذلك أن يُعيلوا عائلاتهم في ظروف الحرب الضارية، وأن يكونوا صوتًا لبلدهم المنكوب وضمادًا لجراحها الغائرة.