فنون

نقطة تحوّل في السينما الأمريكية: Guess Who’s Coming To Dinner  

سبتمبر 15, 2024

نقطة تحوّل في السينما الأمريكية: Guess Who’s Coming To Dinner  


الفيلم العظيم “Guess Who’s Coming To Dinner” أو “خمّن من سيأتي للعشاء” الذي أُنتِج في عام 1967 هو من إخراج “ستانلي كريمر، ويسرد قصة تسبق عصره، فنحن الآن نعيش في عصر أصبح فيه رجلٌ أسود مثل “باراك أوباما” رئيسًا للولايات المتّحدة الأمريكية وامرأة سوداء مثل “كامالا هاريس” منافِسَة في الانتخابات الرئاسية القادمة، وقبل 60 عامًا كان من المستحيل جدًّا أن يحدث ذلك، بل من المستحيل أيضًا لرجلٍ أسود أن يتزوج امرأة بيضاء.


هذا الفيلم يُعَدُّ نقطة تحوّل جذرية في صناعة السينما الأمريكية، حيث أنه يروي قصة حب ورغبة بالزواج بين امرأة بيضاء ورجل أسود، وتأثير ذلك على عائلتيهما. أمرٌ كهذا في ذلك الوقت أثار الجدل بكسره للأعراف والتقاليد العنصرية، فالزواج المختلط بين الأعراق كان ممنوعًا في أغلب الولايات، وبالتحديد في فترة عرض الفيلم في السينما بعام 1967 كانت هناك 17 ولاية في جنوب أمريكا لا تسمح بمثل هذا الزواج قانونيًّا، واستمر الحال هكذا لفترة طويلة.


يبدأ الفيلم مع “جوي درايتون” التي تعود إلى منزلها في سان فرانسيسكو بعد قضاء إجازتها في هاواي، وتحضر معها خطيبها الطبيب “جون برينتيس” لتعرّفه على والديها.


والدتها “كريستينا درايتون” تدير معرضًا فنّيًّا، ووالدها “مات درايتون” هو محرّر وناشر صحفي، و”جوي” هي الابنة الوحيدة المدلّلة، وتأمل بالزواج من “جون”، الذي هو أسود البشرة وأرمل، وتطلب منه دعوة والديه لتناول العشاء مع والديها، فيضطر والداه للسفر من لوس أنجلس إلى سان فرانسيسكو دون أن يعلما أن “جوي” بيضاء، وأيضًا تتم دعوة صديق العائلة القسّيس “راين” للعشاء الذي تعدّه الخادمة “تيلي”، فماذا سيحدث؟


الإخراج مذهل من “ستانلي كريمر”، والنص السينمائي الذي كتبه “وليام روس” يفوق الروعة بعرضه قصة تثير الجدل مع حوارات قوية ترسخ في الذاكرة، ولا أنسى أداء الممثلين المُبهر جدًّا: “كاثرين هيبورن” بشخصية “كريستسينا درايتون”، و”سبينسر تريسي” بشخصية “مات درايتون”، و”سيدني بواتييه” بشخصية “جون برينتيس”، و”كاثرين هوتون” بشخصية “جوي درايتون”، و”سيسيل كيلاوي” بشخصية القسّيس “راين”، و”بي ريتشارد” بشخصية السيدة “برينتيس”، و”روي غلين” بشخصية السيد “برينتيس”، و”إيزابيل سانفورد” بشخصية الخادمة “تيلي”.


فاز الفيلم بجائزتَيْ أوسكار لأفضل ممثلة “كاثرين هيبورن” وأفضل نص سينمائي أصلي، وترشّح لـ 8 جوائز أخرى لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثل “سبينسر تريسي” وأفضل ممثل مساعد “سيسيل كيلاوي” وأفضل ممثلة مساعدة “بي ريتشاردز” وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل مونتاج وأفضل تصميم مواقع.


“سبينسر تريسي” الذي كان يعاني لأعوام من مرضٍ في الرئة توفّي بعد 17 يومًا من انتهاء تصوير الفيلم، و”كاثرين هيبورن” كانت تربطها علاقة قوية معه. لقد شاركا معًا في بطولة 8 أفلام قبل هذا الفيلم، وجمعتهما الكثير من الذكريات الجميلة حتى يوم وفاته، فقد توفّي فجأة أمامها، وسبّب لها ذلك صدمة وحزن شديدين، لدرجة أنها لم تستطع مشاهدة هذا الفيلم بعد عرضه في السينما، لأنه ستشعر بالألم حتمًا، وبالفعل لم تشاهد الفيلم أبدًا إلى أن توفّيت في عام 2003.


وأنا أشاهد هذا الفيلم في عصر مختلف، أي بعد مرور حوالي 6 عقود على إنتاجه، لم أكن أتصوّر أن أرى هذا الإبداع في السرد وقوة الملاحظة والتأمّل العميق في المستقبل، وكأنّ صُنّاع الفيلم كانوا يدركون أنّ ذلك الوضع لن يستمر كذلك طويلًا.


إنّه حقاً فيلمٌ رائع ومؤثّر، ومن أجمل ما شاهدت في حياتي، ويكشف لنا طبيعة مشاعر الإنسان حين يفكّر بعقله وحين يفكّر بقلبه، ويدعونا للتأمّل ونبذ العنصرية.



شارك

مقالات ذات صلة